الأرض
الثلاثاء 5 أغسطس 2025 مـ 10:58 مـ 10 صفر 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

أغذية المتوسط.. فرصة مصر للريادة الدولية

 أ.د. عادل جبر عبد الرازق
أ.د. عادل جبر عبد الرازق

في عالم يلهث وراء الصحة والعافية، يبرز النظام الغذائي المتوسطي كبطل لا يُنازع. فبحسب منظمة الصحة العالمية، هذه الحمية ليست مجرد نظام غذائي، بل هي وصفة سحرية لمقاومة أخطر أمراض العصر من قلب وأوعية دموية وسكري. والأهم؟ أن مصر - بموقعها الفريد عند ملتقى القارات الثلاث وثرواتها الزراعية الفريدة - تمتلك كل المقومات لتكون عاصمة العالم لهذه الصناعة الواعدة. فبينما تتصارع دول المتوسط على لقب "مملكة الأغذية الصحية"، تجلس مصر على كنز من الفرص: سواحل تمتد على البحر الأبيض، أراضٍ خصبة تنتج أفضل المحاصيل، وقناة السويس التي تختصر المسافات إلى الأسواق العالمية. لكن التحدي الأكبر ليس في الإنتاج، بل في تحويل هذه الميزات التنافسية إلى واقع ملموس عبر استراتيجية ذكية تعتمد على الجودة والتصنيع والترويج العالمي.

اليوم، ومع تنامي الوعي الصحي عالميًا ووصول سوق الأغذية الصحية إلى تريليونات الدولارات، يحين وقت مصر لتتحول من دولة منتجة إلى مصدر رئيسي للصحة والعافية، مستغلةً اتفاقياتها التجارية الممتدة ومنصاتها الدولية مثل معرض "أليكس فود" لترويج هذه الكنوز الصحية للعالم. فالفرصة ذهبية.. والوقت مناسب جداً الآن!

الغذاء المتوسطي: إكسير الصحة المدعوم علميًا

أكدت منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) مرارًا تفوق النظام المتوسطي. تقارير "مجلة نيو إنجلاند الطبية" المرموقة أظهرت أن اتباعه يقلل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 30%. دراسات "مستشفى مايو كلينيك" ربطته بانخفاض معدلات السكري من النوع الثاني والضمور الإدراكي. أساسه؟ وفرة من:

الخضروات والفواكه الطازجة: مصادر غنية بمضادات الأكسدة والفيتامينات.

- الحبوب الكاملة والبقوليات: للألياف والطاقة المستدامة.

- زيت الزيتون البكر الممتاز: "الذهب السائل" الغني بالدهون الأحادية غير المشبعة ومضادات الأكسدة القوية مثل الأوليوكانثال.

- المكسرات والبذور: للدهون الصحية والبروتين النباتي.

- الأسماك والمأكولات البحرية: خاصة الدهنية منها (السردين، الماكريل) الغنية بأوميغا-3.

- استهلاك معتدل لمنتجات الألبان (خاصة الجبن والزبادي) والدواجن، مع محدودية اللحوم الحمراء والسكريات

مصر والمتوسط: موقع استراتيجي وإمكانيات واعدة

هنا تكمن الميزة النسبية الفريدة لمصر:

1. جوهرة التاج: الموقع الجغرافي الفريد:

- ملتقى القارات الثلاث (أفريقيا، آسيا، أوروبا): مما يجعلها جسرًا طبيعيًا للتجارة.

- بوابة المتوسط عبر السواحل الشمالية: وصول مباشر إلى أسواق أوروبا الغنية والمطلوبة لهذه المنتجات.

- قناة السويس: الشريان الملاحي الأهم عالميًا، يختصر وقت وصول البضائع المصرية إلى الأسواق الآسيوية والأوروبية بشكل كبير.

2. ثروة زراعية متجددة:

- تنوع مناخي ملحوظ: يسمح بإنتاج تشكيلة هائلة من مكونات الغذاء المتوسطي على مدار العام.

- إمكانيات ضخمة لإمكانية إنتاج زيت الزيتون: مع التوسع في زراعة الزيتون في مناطق مثل الساحل الشمالي وسيناء والوادي الجديد.

- الأسماك والمأكولات البحرية: امتداد السواحل يوفر إمكانيات كبيرة لتطوير الاستزراع السمكي المستدام.

3. قاعدة صناعية لوجستية نامية:

- مناطق تجارة حرة وموانئ حديثة تيسر عمليات التصدير.

- توفر اليد العاملة يسمح بتطوير صناعات تحويلية للمنتجات الطازجة.

التحديات والفرص: الطريق إلى الريادة

لا يخلو الطريق من تحديات:

- المنافسة الشرسة من دول متجذرة في السوق.

- ضبط الجودة والمطابقة للمواصفات الدولية.

- تطوير العلامات التجارية للانتقال من تصدير المواد الخام إلى منتجات ذات قيمة مضافة.

الاستراتيجية: كيف تفوز مصر؟

1. التركيز على الجودة الفائقة بمعايير صارمة. 2. الاستثمار في التصنيع الغذائي لمنتجات نصف مصنعة وجاهزة للأكل.

3. الترويج الذكي عبر منصات عالمية مثل "AlexFood (Mediterranean Food Expo)" ، الذي يقام في مكتبة الإسكندرية من 21 إلى 23 أكتوبر 2025، ليجمع ثقافات وأطعمة دول البحر المتوسط في منصة واحدة. وبمشاركة وتنظيم شركات مصرية في التسويق (ميدمارت) مع رعاية علمية من الجمعية العلمية للصناعات الغذائية بجامعة الإسكندرية، يعد هذا الحدث أداة استراتيجية لتعزيز مكانة مصر في مجال الغذاء والتغذية المتوسطية.

4. استهداف الأسواق المتخصصة (الأغذية الصحية، العضوية، الأسواق الحلال).

5. دعم البحث والتطوير لتحسين الأصناف وطرق الزراعة.

الخاتمة: رهان المستقبل

أغذية حوض المتوسط ليست موضة عابرة، بل توجه صحي عالمي متنامٍ. مصر، بوضعها الجيواستراتيجي الفريد، وتنوعها الزراعي، وقدراتها اللوجستية، مؤهلة ليس فقط للمنافسة، بل لقيادة هذا السوق. مع تميز مصر بوجود اتفاقيات تجارية إقليمية ودولية تمنحها مزايا إضافية وتمهد الطريق للترويج لمنتجاتها محليًا وإقليميًا ودوليًا، فإن تعزيز التعاون التجاري عبر منصات مثل "أليكس فود" سيدعم حركة التجارة البينية في المنطقة، ويضع مصر على خريطة العالم كمصدر رئيسي للصحة والعافية. الوقت الآن لتحويل مائدة مصر إلى مائدة للعالم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم: أ.د. عادل جبر عبد الرازق – أستاذ علوم وتكنولوجيا الأغذية – بالمركز القومى للبحوث