الأرض
الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 مـ 03:22 مـ 18 جمادى آخر 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

الأمطار والدور الغائب لمركز التنبؤ... أين اختفى أحد أهم أذرع إدارة المياه في مصر؟

ا. محمد أبو عمرة
ا. محمد أبو عمرة

لا أعرف على وجه التحديد أين ذهب مركز التنبؤ بالفيضان والأمطار التابع لوزارة الموارد المائية والري، لكن ما أعرفه جيدًا أن هذا المركز كان يومًا ما يمثل خط الدفاع الأول في مواجهة التقلبات المناخية، وهو اليوم غائب تمامًا عن المشهد، رغم أن الأمطار التي ضربت البلاد أمس – وغيرها من الأحداث المناخية خلال الأعوام الماضية – كانت تستدعي حضوره بقوة.

هذا المركز الذي كان يعمل كـ خلية نحل، كان يسبق موجات الطقس بثلاثة أيام كاملة في إصدار تحذيراته، وأحيانًا قبل أسبوع كامل كما حدث في عاصفة التنين التي اجتاحت مصر قبل سنوات، حين لعب المركز دورًا محوريًا في تجنيب البلاد كارثة حقيقية.

لم يكن دور المركز مقتصرًا على التحذير من السيول والأمطار فقط؛ بل كان أحد أدوات الدولة في تعظيم الاستفادة من مياه الأمطار.

فبياناته الدقيقة ساهمت في توفير ريات كاملة للمزارعين في الدلتا والوادي، قدرتها وزارة الري حينها بنحو 50 مليون متر مكعب في نوبة الري الواحدة.

كانت هذه البيانات جزءًا من خطة رشيدة لإدارة المياه في دولة تعاني فقرًا مائيًا، وتحتاج إلى استغلال كل نقطة تسقط من السماء.

أذكر جيدًا – من خلال عملي الصحفي كمحرر لشؤون الري – أن موسم الأمطار كان أشبه بحالة طوارئ في الوزارة:

خفض مناسيب الترع والمصارف، فتح ممرات التصريف، الاستعداد لالتقاط أي كمية مياه ممكنة وتحويل “المحنة” إلى “منحة”.

قد ينسى البعض أن مركز التنبؤ كان أحد الأذرع الاستراتيجية التي استخدمتها الدولة في متابعة كل قطرة مياه على الهضبة الإثيوبية.

امتلك المركز أدوات تكنولوجية متقدمة تراقب الأمطار على كامل حوض النيل، وتحللها، وتقدّر بدقة حجم المياه المتوقع وصولها إلى بحيرة ناصر والمزارعين في الحقول.

كنت قد زرت المركز مرات عديدة، ورأيت عن قرب غرفة العمليات وشاشاته وأدواته الحديثة، واطلعت على كفاءة الباحثين والخبراء الذين يديرونه.

ولذلك يصعب عليّ أن أتفهم سبب اختفاء دوره بهذا الشكل، أو تشتت اختصاصاته بين قطاعات الوزارة كما يبدو الآن.

قد أكون مخطئًا في تقدير وضع المركز حاليًا، وربما ما زال يؤدي دورًا ما في الكواليس، بجانب هيئة الأرصاد الجوية التي تختص بالطقس بشكل عام ويتابع المركز التنبؤ بالامطار وحجمها ولكن المؤكد أن صوته اختفى، وتحذيراته غابت، وفاعليته لم تعد كما كانت.

وهذا الغياب يثير القلق، ليس فقط من زاوية مواجهة السيول أو الأمطار، بل من زاوية الحفاظ على الموارد المائية التي تحتاج إلى كل معلومة دقيقة وكل أداة تساعد في اتخاذ القرار.