رئيس مناخ الزراعة: البصمة الكربونية أداة الاقتصاد الزراعي الجديد

قال الدكتور محمد علي فهيم رئيس مركز معلومات تغير المناخ بمركز البحوث الزراعية، إنه في وقتٍ تتسارع فيه وتيرة التغيرات المناخية عالميًا، وتتزايد الضغوط على القطاعات الإنتاجية للحد من الانبعاثات الضارة، برزت البصمة الكربونية كواحدة من الأدوات الحاسمة في مشهد الزراعة الحديثة، فما كانت يومًا مجرد مفهوم بيئي، أصبحت اليوم مقياسًا اقتصاديًا وتجاريًا، يحدد من يدخل السوق ومن يُستثنى منه.
"فهيم"، وصفها بأنها أداة ذكية في يد المزارع الطموح والباحث الواعي، قائلًا إنها: "تحولت إلى مؤشر رئيسي في التجارة الزراعية الدولية، وأصبحت تؤثر بشكل مباشر في فرص التصدير، الحصول على التمويل، بل وحتى التسعير داخل البورصات الزراعية".
ما المقصود بالبصمة الكربونية الزراعية؟
هي إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن نشاط زراعي معين، كزراعة المحاصيل أو تربية المواشي أو تشغيل الآلات، وتُقاس بوحدة الطن المكافئ لثاني أكسيد الكربون (tCO₂-eq).
تشمل هذه الغازات:
ثاني أكسيد الكربون (CO₂)
الميثان (CH₄)
أكسيد النيتروز (N₂O)
كيف تُحسب البصمة الكربونية؟
وفقًا للدكتور فهيم، يُجرى الحساب من خلال خطوات دقيقة:
1. تحديد النظام الزراعي (نوع المحصول أو النشاط الإنتاجي).
2. جمع بيانات المدخلات مثل الأسمدة، الوقود، الكهرباء، المياه، والمبيدات.
3. تطبيق معاملات انبعاث دولية مثل التي تصدر عن الهيئة الدولية للتغير المناخي (IPCC).
4. إجراء المعادلات: كمية الاستخدام × معامل الانبعاث، ثم جمع القيم للحصول على الرقم النهائي.
مثال عملي: إنتاج طن واحد من القمح بالري التقليدي قد يُنتج ما بين 300 إلى 600 كجم من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
لماذا أصبحت البصمة الكربونية محورًا عالميًا؟
لم يعد الأمر اختياريًا. فمع إطلاق الاتحاد الأوروبي لـ"الصفقة الخضراء الأوروبية" (European Green Deal)، أصبح واضحًا أن المنتجات الزراعية التي لا ترفق ببصمتها الكربونية ستواجه:
ضريبة كربونية على الحدود الأوروبية.
استبعادًا تدريجيًا من الأسواق الخضراء.
صعوبة في الحصول على تمويل دولي من مؤسسات مثل FAO وIFAD وGCF.
كما بدأت البورصات الزراعية الأوروبية اعتماد شهادات البصمة الكربونية كجزء أساسي من تقييم المنتجات، ما يضع المزارع والمُصدّر أمام تحدٍ جديد: إما الالتزام، أو الخروج من المنافسة.
كيف يستفيد المزارع من حساب بصمته الكربونية؟
الدكتور فهيم يوضح أن الأداة لم تأتِ فقط لتقييد المنتجين، بل فتحت أمامهم فرصًا جديدة:
رفع كفاءة استخدام المدخلات، وتقليل الهدر.
الوصول إلى الأسواق الخضراء في أوروبا وآسيا.
الحصول على شهادات زراعية دولية مثل Global GAP أو شهادات الاعتماد الكربوني.
تحقيق عائد مالي إضافي من بيع الانبعاثات المخفّضة في أسواق الكربون الطوعية.
دمج المزارع الصغيرة في سلاسل التوريد المستدامة.
إلى أين نتجه؟ هل ستكون البصمة إلزامية؟
المؤشرات العالمية كلها تؤكد أن "البصمة الكربونية ستُصبح شرطًا إلزاميًا"، ولن يُقبل منتج زراعي مُصدَّر دون إرفاق تقرير علمي معتمد لبصمته الكربونية، على غرار شهادة المنشأ أو تحليل متبقيات المبيدات.
أرقام واقعية: كيف تتحول البصمة إلى أرباح؟
1. تصدير الفراولة:
السعر الحالي: 2500 دولار/طن
بعد توثيق البصمة الكربونية: زيادة 10–15% = 250–375 دولار إضافي
تكلفة الحساب: 50–70 دولار فقط
الربح الصافي: 200–300 دولار/طن
ما يعادل 8–12% زيادة في هامش الربح.
2. زيت الزيتون (الزراعة التعاقدية):
إنتاج الفدان: 1.5 طن سنويًا
الحافز الأخضر: 100 يورو/طن
العائد السنوي للفدان: 150 يورو
بعد خصم التكلفة: ربح صافي 140 يورو (نحو 7500 جنيه مصري)
3. السماد العضوي مقابل الكيميائي:
الفارق في الانبعاثات: 0.5 طن CO₂
تعويض كربوني: 75–125 دولار/فدان/سنة
4. الطاقة الشمسية بدل الديزل:
تقليل 3 طن CO₂/فدان/سنة
التوفير في الوقود: 10,000 جنيه/فدان
الربح البيئي والاقتصادي: يتجاوز 12,000 جنيه سنويًا
5. شهادة "محايد كربونيًا":
قيمة تسويقية إضافية: 10–20%
تسهيل دخول الأسواق الخضراء
إمكانية الحصول على تمويل دولي أخضر
خلاصة المشهد:
البصمة الكربونية ليست عبئًا... بل فرصة اقتصادية حقيقية.
إنها أداة تسمح للمزارع أن:
يدخل أسواقًا عالمية.
يرفع من سعر منتجه.
يقلل التكاليف التشغيلية.
يحسن من كفاءة استهلاك الموارد.
بل أكثر من ذلك، تحوّلت إلى أحد أركان الاقتصاد الزراعي الحديث والمستدام.
المستقبل يبدأ من الآن... احسب بصمتك!
إذا كنت مزارعًا أو مُصدّرًا، وتهدف إلى الدخول إلى أسواق التصدير العالمية أو الاستفادة من التمويلات الخضراء، فإن حساب بصمتك الكربونية لم يعد خيارًا بل ضرورة.
ابدأ اليوم بالتواصل مع مركز معلومات تغير المناخ بمركز البحوث الزراعية للحصول على نموذج جدوى أو تصميم مشروع كامل لحساب الانبعاثات وتوثيقها.