الأرض
الجمعة 14 نوفمبر 2025 مـ 01:01 صـ 22 جمادى أول 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

ماذا لو غاب الماء؟

د. خالد وصيف
د. خالد وصيف

في زحام الأخبار التي تتناقل صور الحروب والدمار من الشرق والغرب، مرَّ على الشاشات فيلم قصير مدته ثلاثون ثانية، أنتجته وزارة الموارد المائية والري، طرح سؤالًا بسيطًا لكنه صادم: ماذا لو غاب الماء؟
ثم جاء الجواب في مشاهد سريعة: لن تكون هناك قهوة... ولا كرة... ولا ابتسامة. لن تكون هناك حياة.
رسالة قصيرة ومباشرة، لكنها تختصر قضية مصيرية تستحق أن ننتبه إليها جميعًا.

وفي الوقت نفسه، ظهر خبر آخر على استحياء من إيران، عن خطة طوارئ حكومية لإخلاء العاصمة طهران، التي يسكنها أكثر من عشرة ملايين نسمة، بسبب أزمة مياه خانقة ناجمة عن موجة جفاف تضرب البلاد.
تلك الخطة — التي لم يكن يُفترض اللجوء إليها إلا في حالات العجز الكامل عن تأمين الحد الأدنى من احتياجات الناس — تعني ببساطة أن إيران تفاجأت بجفاف يطرق أبواب عاصمتها.

الأرقام تقول إن الهضبة الإيرانية تمتلك نحو 130 مليار متر مكعب من المياه المتجددة سنويًا، بينما لا يتجاوز عدد السكان 92 مليون نسمة. أي أن الأزمة ليست أزمة ندرة بقدر ما هي أزمة إدارة.

ومن آسيا إلى إفريقيا، نصل إلى جنوب أفريقيا التي واجهت قبل أعوام قليلة خطرًا مشابهًا.
في عام 2018، أعلنت السلطات هناك أن مدينة كيب تاون قد تصبح أول مدينة كبرى في العالم تجف صنابيرها تمامًا.
وأطلقت الحكومة خطة طوارئ شهيرة تحت اسم "اليوم صفر" (Day Zero) — اليوم الذي ستتوقف فيه المياه عن التدفق من الصنابير.
كانت تلك مفاجأة هزت العالم، وفتحت الأعين على التغيرات المناخية التي باتت تعيد رسم خرائط المطر على كوكب الأرض.

لكن كيب تاون تجنبت الكارثة في اللحظة الأخيرة بفضل إجراءات صارمة: تقنين استهلاك المياه إلى 50 لترًا للفرد يوميًا، حملات توعية واسعة، رقابة شديدة على الاستخدام، إلى جانب مشروعات تحلية المياه وتجميع مياه الأمطار.

ونعود إلى مصر... مصر الحقيقية، التي في الشارع والقرية وعلى جسر الترعة، بعيدًا عن معارك الإنترنت حول مباريات القمة والهوية والجدل اليومي.
هذه هي مصر التي تواجه منذ سنوات طويلة فقرًا مائيًا متزايدًا: مياه محدودة وسكان يتزايدون بسرعة. معادلة بسيطة لكنها خطيرة، ولهذا استعدت الدولة مبكرًا.

منذ عام 1997، أي قبل بناء السد الإثيوبي بسنوات طويلة، وضعت مصر أول مسودة لـ استراتيجية قومية لإدارة الموارد المائية.
تعددت أسماؤها عبر السنين: الخطة القومية، ثم الاستراتيجية القومية للموارد المائية، ثم خطة 4T، وأخيرًا منظومة الجيل الثاني لإدارة المياه.
لكن الهدف ظل واحدًا: ترشيد استخدام المياه في الزراعة، والشرب، والصناعة، عبر خطوات عملية ومستمرة.

هذه الخطط التي امتدت لعقود — من تأهيل شبكات الري القديمة إلى تحديث نظم الإدارة — شكلت حائط صد قويًا حمى المصريين من مصير جنوب أفريقيا سابقًا، وإيران حاليًا.

فالإدارة العلمية للموارد المائية لا تعرف المفاجآت، بل تقوم على الحقائق والمصارحة والمشاركة.
وحين يسأل كل مصري نفسه: ماذا سأفقد لو غاب الماء؟
فهو لا يطرح سؤالًا افتراضيًا، بل ينبّه نفسه إلى ضرورة الوعي والترشيد — حتى ولو كان النيل يجري ويفيض.

------------

خبير موارد مائية