الأرض
الأحد 21 ديسمبر 2025 مـ 02:22 مـ 1 رجب 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

محمود فوزي يكتب: حين يفقد الفلاح الثقة

م. محمود فوزي
م. محمود فوزي

لماذا تتحول ندوات الإرشاد الزراعي إلى ساحة أزمات؟

لم تعد أزمة الزراعة في مصر أزمة إنتاج فقط، بل تحولت في السنوات الأخيرة إلى أزمة ثقة حقيقية بين الفلاح ومنظومة العمل الزراعي ككل. ويتجلى هذا بوضوح في ندوات الإرشاد الزراعي التي كان يُفترض أن تكون منصة للحوار والدعم الفني، لكنها كثيرًا ما تنتهي اليوم بمشادات حادة بين الفلاحين وباحثي وخبراء الزراعة.

أولًا: الفلاح غاضب

والغضب له أسباب

الفلاح المصري لا يعترض على العلم، ولا يرفض البحث الزراعي، لكنه يسأل سؤالًا بسيطًا ومشروعًا:

أين نتائج هذا العلم على أرض الواقع؟

يتحدث الباحث عن برامج تسميد متكاملة، بينما الأسمدة غير متوفرة أو تُصرف منقوصة.

يناقش خبير التسويق محصول البصل أو القطن، بينما الأسعار لا تغطي التكلفة ولا يوجد مشترٍ.

تُعرض توصيات حديثة للإنتاج الحيواني والداجني، بينما الأعلاف نار، والدورة الإنتاجية خاسرة.

يُطلب من الفلاح الالتزام، بينما إيجار الأرض مرتفع، والمياه محدودة، والديون تتراكم.

في هذا السياق، يصبح الغضب رد فعل طبيعي، لا قلة احترام ولا رفضًا للعلم.

ثانيًا: الإرشاد الزراعي بين النظرية والواقع

الإرشاد الزراعي في جوهره رسالة، لكنه حين يُقدَّم بمعزل عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي للفلاح، يتحول إلى عبء نفسي.

المشكلة ليست في دكاترة وباحثي البحوث الزراعية، بل في:

غياب التنسيق بين البحث العلمي والتنفيذ.

انفصال التوصيات عن مدخلات الإنتاج المتاحة.

غياب الحلول التسويقية المصاحبة لأي توصية إنتاجية.

تحميل الفلاح وحده نتيجة الفشل، دون حماية أو ضمان.

ثالثًا: التسويق

الجرح المفتوح

أغلب الأزمات التي تشعل الندوات سببها التسويق:

بصل بلا سعر.

قطن بلا مشترٍ عادل.

بطاطس تتقلب أسعارها بلا ضابط.

الفلاح لم يعد يسأل: كيف أزرع؟

بل يسأل: هل أزرع أصلًا؟

رابعًا: غلاء المدخلات

المعادلة المستحيلة

ارتفاع أسعار:

الأسمدة

الأعلاف

الوقود

إيجارات الأراضي

دون وجود سعر ضمان أو دعم مباشر، جعل الزراعة مغامرة خاسرة، لا مشروع حياة.

خامسًا: لماذا تتحول الندوة إلى مشكلة؟

لأن الندوة تُدار غالبًا بمنطق:

نقول ما لدينا

وعلى الفلاح أن يطبق

بينما المطلوب هو:

نسمع أولًا

ثم نضع حلًا قابلًا للتنفيذ

الفلاح يأتي مثقلًا بالديون والخسائر، لا باحثًا عن محاضرة أكاديمية.

سادسًا: الحلول

كيف نعيد الثقة؟

1. ربط الإرشاد بالتنفيذ

لا توصية بلا مستلزماتها (سماد – تقاوي – سوق).

2. إدخال ملف التسويق في كل ندوة

الحديث عن سعر الضمان والتعاقد المسبق قبل الزراعة.

3. الاعتراف بالأزمة

المصارحة أول خطوة للعلاج، لا تجميل الواقع.

4. تحويل الندوات إلى حوار لا تلقين

الاستماع لمشاكل الفلاحين وتوثيقها ورفعها للجهات المختصة.

5. تنسيق حقيقي مع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي

بحيث لا يُترك الباحث وحده في مواجهة غضب الفلاح، ولا يُترك الفلاح بلا حل.

الفلاح لم يفقد احترامه للعلم، لكنه فقد الثقة في المنظومة.

وما لم تتحول الندوات الإرشادية من منصات كلام إلى أدوات حل حقيقي، ستظل ساحات غضب لا قاعات إرشاد.

إعادة الثقة تبدأ حين يشعر الفلاح أن الدولة تقف بجواره في الأرض قبل أن تطلب منه الإنتاج.

*رئيس الإدارة المركزية للبساتين سابقا