الأرض
السبت 1 نوفمبر 2025 مـ 11:56 مـ 10 جمادى أول 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

الأرز بين خطر المناخ وأمل الزراعة المستدامة عالميًا

يُعد الأرز أحد أهم المحاصيل الغذائية في العالم، إذ يعتمد عليه أكثر من أربعة مليارات إنسان يوميًا كمصدر رئيسي للغذاء، إضافة إلى كونه مصدر رزق لمئات الملايين من المزارعين في آسيا وإفريقيا. ومع تزايد الطلب العالمي عليه عامًا بعد عام، يواجه هذا المحصول الحيوي تحديات بيئية ومناخية معقدة تهدد إنتاجه واستدامته.

الأرز ليس مجرد ضحية للتغير المناخي، بل أصبح أيضًا أحد مسبباته الرئيسيين. فطرق الزراعة التقليدية تطلق كميات هائلة من غاز الميثان، الذي يُقدّر بنحو 10 إلى 12% من إجمالي الانبعاثات العالمية لهذا الغاز، وهو أكثر تأثيرًا على الاحتباس الحراري من ثاني أكسيد الكربون بعدة مرات.

إلى جانب الانبعاثات، تُعد زراعة الأرز من أكثر الأنشطة استهلاكًا للمياه عالميًا، إذ تستهلك ما بين 34% و43% من مياه الري في العالم، ما يجعلها عبئًا ثقيلًا على الموارد المائية في ظل تفاقم الجفاف ونقص المياه في العديد من الدول الزراعية.

ورغم هذه التحديات البيئية، لا يمكن للعالم الاستغناء عن الأرز، خاصة في الدول الكبرى المنتجة له مثل الصين والهند وإندونيسيا وبنغلاديش وفيتنام وتايلاند. غير أن ارتفاع درجات الحرارة، وتملّح التربة، وارتفاع منسوب البحار تهدد بإضعاف إنتاجيته عامًا بعد عام. وتشير دراسات حديثة إلى أن كل ارتفاع بمقدار درجة مئوية واحدة في متوسط الحرارة يؤدي إلى انخفاض إنتاج الأرز بنسبة تتجاوز 8%.

ومع توقع ارتفاع الطلب العالمي على الأرز بنسبة 20% خلال العقود المقبلة، تتجه الأنظار نحو ابتكار طرق زراعة أكثر كفاءة واستدامة تستخدم كميات أقل من المياه وتُقلل من الانبعاثات الكربونية.

التكلفة البيئية الخفية للأرز

ليست تكلفة الأرز مقصورة على سعره في الأسواق، بل تمتد لتشمل تكاليف بيئية واقتصادية ضخمة، أبرزها فقدان التنوع البيولوجي، وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، والاستهلاك المفرط للمياه.لذلك تسعى منظمات دولية وحكومات عديدة إلى احتساب التكلفة الحقيقية للأرز لتشجيع تبني سياسات أكثر استدامة وتشجيع المزارعين على التحول إلى الزراعة الذكية مناخيًا.

ويُعد هذا التحول ضروريًا، إذ يعيش نحو 560 مليون إنسان في مناطق زراعة الأرز تحت خط الفقر، مما يجعل أي تراجع في المحصول تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي العالمي.

تقنيات زراعة جديدة لمستقبل أكثر استدامة

تعمل مؤسسات بحثية في آسيا وأمريكا على تطوير أصناف أرز أكثر مقاومة للمناخ وأعلى في القيمة الغذائية، إلى جانب أساليب زراعة مبتكرة تقلل الانبعاثات وتحافظ على المياه.

ومن أبرز هذه التقنيات طريقة الري المتقطع (AWD)، التي تعتمد على غمر وتجفيف الحقول بالتناوب بدلًا من الغمر الدائم، ما يساهم في خفض انبعاثات الميثان بنسبة تصل إلى 70% وتحسين جودة التربة والإنتاج.

وفي هذا الإطار، برزت فيتنام كدولة رائدة في مجال زراعة الأرز منخفض الانبعاثات، حيث تستهدف زراعة مليون هكتار من الأرز المستدام بحلول عام 2030. كما تستخدم التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي لتتبع الانبعاثات وتحسين إدارة المياه في الحقول.

وفي تايلاند، ساهم مشروع «ناما للأرز» المدعوم من الوكالة الألمانية للتنمية في تدريب آلاف المزارعين على تطبيق أساليب الزراعة المستدامة، وتقليل استخدام المياه والكيماويات الزراعية.

دور الشركات والأسواق في التحول نحو الأرز المستدام

التحول نحو زراعة مستدامة لا يقتصر على المزارعين والحكومات فقط، بل يمتد إلى الشركات العالمية والمستهلكين. فقد أُطلقت مبادرات مثل «تحالف الرواد الأوائل للأغذية» (First Movers Coalition for Food)، الذي يهدف إلى تحفيز الطلب على المنتجات الزراعية منخفضة الكربون.

كما تعمل شركات عالمية كبرى مثل Bayer وIndigo Ag وTilda على تطوير برامج لخفض انبعاثات الميثان وتحسين صحة التربة، إضافة إلى توفير حوافز مالية للمزارعين عبر أسواق الكربون لدعم التحول نحو الزراعة المستدامة.

خلاصة

تحديات الأرز اليوم تتجاوز حدود الحقول لتصبح قضية عالمية تمس الأمن الغذائي والمناخي والاقتصادي. ومع تزايد الضغوط على الموارد الطبيعية، يصبح التعاون بين العلم والسياسة والقطاع الخاص أمرًا ضروريًا لضمان استمرار هذا المحصول الحيوي بطريقة أكثر استدامة وعدلاً للأجيال القادمة.