فخ العمالة الرخيصة يهدد مستقبل صادرات مصر الزراعية
يشهد قطاع الصادرات الزراعية في مصر نموا متسارعا جعله من الأسرع عالميا في الفاكهة والخضراوات الطازجة والمجمدة، إلا أن هذا التوسع القائم بدرجة كبيرة على ميزة العمالة منخفضة التكلفة يضع القطاع أمام تحديات هيكلية قد تعيد تكرار تجارب دول مثل بولندا وإسبانيا إذا لم يتم التحرك مبكرا نحو نموذج أكثر استدامة.
تجربة بولندا وتحول الميزان التجاري
اعتمدت بولندا لعقود على الأجور الزراعية المنخفضة لتصبح قوة تصديرية كبرى في التفاح والتوت والخضراوات. ومع انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي وارتفاع الأجور وهجرة العمالة، فقد القطاع قدرته التنافسية. وبحلول عام 2024 تحولت بولندا إلى مستورد صاف للمنتجات الطازجة، وأصبحت تعتمد بشكل كبير على واردات الفراولة المجمدة من مصر والتوت من أوكرانيا، بعد أن تراجعت ربحية الإنتاج المحلي.
القطاع الإسباني تحت ضغط متزايد
رغم احتفاظ إسبانيا بمكانتها كأكبر مصدر للمنتجات الطازجة في أوروبا، فإن نموذجها الإنتاجي يواجه ضغوطا حادة بسبب ارتفاع تكاليف العمالة وتشديد معايير الامتثال البيئي ونقص المياه. وأدى ذلك إلى نقل جزء متزايد من الإنتاج كثيف العمالة إلى دول أقل تكلفة، حيث ارتفعت واردات إسبانيا من الفاكهة والخضراوات من خارج الاتحاد الأوروبي بشكل لافت، وكان لمصر نصيب كبير من هذا التحول خاصة في البرتقال.
مصر بين الفرصة والمخاطرة
تستفيد مصر حاليا من تراجع القدرة التنافسية في أسواق أخرى، لكنها تواجه مخاطر الاعتماد طويل الأجل على الأسعار المنخفضة وهوامش الربح المحدودة. هذا النموذج يقلل من القدرة على إعادة الاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية، ويجعل القطاع أقل مرونة أمام ارتفاع الأجور أو تغير متطلبات الأسواق الأوروبية.
التحول المطلوب في الزراعة التصديرية
يرى خبراء أن مستقبل تنافسية مصر الزراعية يرتبط بالانتقال إلى أنظمة إنتاج عالية الكفاءة في استخدام الموارد. ويشمل ذلك التوسع في الري بالتنقيط تحت السطحي لتقليل استهلاك المياه وزيادة الإنتاجية، واعتماد الحلول الرقمية مثل أجهزة الاستشعار ومحطات الطقس وأنظمة التتبع والفرز الآلي، بما يسهم في خفض استخدام المبيدات وتحسين الجودة وفتح أسواق ذات قيمة أعلى.
نافذة زمنية حاسمة
يمثل الوضع الحالي فرصة نادرة لمصر لاستثمار طفرة الصادرات في بناء نموذج زراعي أكثر استدامة وتنافسية قبل ارتفاع تكاليف العمالة أو تشديد متطلبات الامتثال. التحرك المبكر قد يرسخ مكانة مصر كمورد موثوق للمنتجات عالية الجودة قليلة المخلفات وقليلة استهلاك المياه بحلول عام 2030، بينما التأخر قد يعرض القطاع لفقدان ميزته التنافسية كما حدث في تجارب سابقة.


.jpg)























