الأرض
الأحد 14 ديسمبر 2025 مـ 04:45 مـ 23 جمادى آخر 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

منظومة المبيدات في مصر تدخل مرحلة إعادة الانضباط الشامل

تشهد منظومة المبيدات في مصر تحولًا جذريًا يقوده تدخل مؤسسي حاسم، يستهدف حماية المزارع والمستهلك، وتعزيز تنافسية الصادرات الزراعية المصرية في الأسواق العالمية، في ظل متغيرات دولية متسارعة وتشريعات أكثر صرامة. هذا ما أكدته الدكتورة هالة أبو يوسف، رئيس لجنة مبيدات الآفات الزراعية، كاشفة ملامح خطة شاملة لإعادة بناء المنظومة من الجذور.

منظومة المبيدات في مصر بين الرقابة والتحديث

أوضحت رئيس اللجنة أن الملف الأكثر إلحاحًا كان إعادة الانضباط الكامل لمنظومة شديدة التعقيد، تتداخل فيها عمليات التسجيل، والرقابة، والتداول، والإرشاد، والمكافحة، إلى جانب التشريعات المرتبطة بالتصدير. وأكدت أن الهدف الأساسي هو ضمان استخدام المبيد الصحيح، بالطريقة الصحيحة، وفي التوقيت المناسب.

وأضافت أن الخطة شملت تحديثًا تشريعيًا شاملًا، وتكثيف الرقابة الميدانية، وتطوير آليات تسجيل المبيدات، مع التوسع في المبيدات منخفضة السمية والبدائل الحيوية، بما يحقق التوازن بين الإنتاج الآمن وحماية الصحة العامة والبيئة.

مواكبة التشريعات الأوروبية دون مفاجآت

وأشارت إلى أن التغيرات السريعة في تشريعات الاتحاد الأوروبي لا تؤثر فقط على التصدير، بل تنعكس على المنظومة الزراعية بالكامل. لذلك تتابع اللجنة بشكل يومي تحديثات قواعد بيانات المبيدات الأوروبية، إلى جانب ما يصدر عن وكالة حماية البيئة الأمريكية، ويتم فورًا مراجعة أي مادة فعالة تظهر بشأنها دراسات جديدة تتعلق بالسمية أو الحدود القصوى لمتبقيات المبيدات.

التحرك الاستباقي، بحسب أبو يوسف، أصبح نهجًا ثابتًا، لتجنب أي صدمات تصديرية، مع إصدار توصيات بديلة، وإخطار الشركات، وربط التحديثات بقوائم التصدير لضمان استقرار المنظومة.

المبيدات المهرّبة… خطر تحت السيطرة

وحول ملف المبيدات غير الشرعية، أكدت أن الخطر حقيقي لكنه لم يعد خارج السيطرة، مشددة على أن هذه المنتجات لا تمثل غشًا تجاريًا فقط، بل تهديدًا مباشرًا لصحة الإنسان وسمعة الصادرات المصرية.

ونفذت اللجنة بالتعاون مع الجهات الرقابية وشرطة البيئة حملات موسعة، شملت ضبطيات ورصدًا لمسارات التهريب، إلى جانب الاستعداد لإطلاق نظام تتبع إلكتروني لكل عبوة مبيد، بما يضمن معرفة مصدرها وخط سيرها حتى الاستخدام النهائي.

مطبّق المبيدات… مهنة المستقبل

وأكدت رئيس اللجنة أن برنامج مطبّقي المبيدات أصبح العمود الفقري للاستخدام الآمن، حيث تم تدريب أكثر من 30 ألف مطبّق حتى الآن، مع التوجه لتحويل الشهادة إلى ترخيص مهني رسمي.

وشددت على أن أي خطأ في عملية الرش قد يؤدي إلى تسمم المحصول أو رفض شحنات تصديرية كاملة، ما يجعل تأهيل المطبّق عنصرًا حاسمًا في مستقبل الزراعة.

نحو سجل رش إلكتروني شامل

وكشفت أبو يوسف عن العمل على منصة رقمية لتوثيق كل معاملات الرش في الحقول، تتضمن نوع الآفة، وشدة الإصابة، والمبيد المستخدم، والجرعة، وفترة ما قبل الحصاد. هذا النظام سيوفر لأول مرة خريطة دقيقة لحركة المبيدات في مصر، ويحد من الرش العشوائي، ويربط كل قرار بتوصية علمية.

تجربة الموالح… نموذج يُحتذى

وأوضحت أن نجاح الموالح المصرية عالميًا يعود بنسبة تتجاوز 80% إلى الالتزام الصارم بالبروتوكولات، والتنظيم الدقيق لسلاسل التوريد، والتعاون الوثيق بين المزارعين والمصدرين واللجنة.

وتعمل اللجنة حاليًا على تكرار التجربة في محاصيل أكثر حساسية مثل العنب والرمان والفراولة، لمواجهة متطلبات الأسواق الأوروبية المشددة.

دعم البدائل وتخفيف الأعباء

وفيما يتعلق بارتفاع أسعار بعض المبيدات، أكدت السعي لتوفير بدائل بنفس الكفاءة وبأسعار مناسبة، مع تشجيع التصنيع المحلي للمبيدات الحديثة منخفضة السمية، وتسريع تسجيل المبيدات الحيوية، باعتبارها مستقبل المكافحة عالميًا.

التكنولوجيا تغيّر قواعد اللعبة

وأشارت إلى أن التكنولوجيا لم تعد رفاهية، بل أداة أساسية، من خلال نماذج التنبؤ بالآفات، ورصد البقع الساخنة بالأقمار الصناعية، وتحليل صور الحقول، واستخدام الطائرات المسيّرة، وربط أنظمة الإنذار المبكر بدرجات الحرارة والرطوبة.

المرأة الريفية في قلب المنظومة

وأكدت أهمية تمكين المرأة الريفية، باعتبارها عنصرًا أساسيًا في مراحل ما بعد الحصاد، مع التركيز على تدريبها على الممارسات السليمة والتعامل الآمن مع المبيدات والعبوات، وزيادة مشاركتها في برامج مطبّقي المبيدات.

خريطة قومية للآفات

وأعلنت أن اللجنة في مرحلة متقدمة لإتاحة قاعدة بيانات مفتوحة للمزارعين، توضح حركة الآفات حسب المحافظات، وتحدد درجات الإصابة والتوقيت الأمثل للتدخل، بما يربط البحث العلمي بالممارسة اليومية داخل الحقل.

رؤية مستقبلية خلال خمس سنوات

واختتمت أبو يوسف بأن منظومة المبيدات في مصر خلال السنوات الخمس المقبلة ستكون أكثر رقمية واستدامة، مع نظام تتبع كامل، وسجل رش إلكتروني، وتوسع كبير في المبيدات الحيوية، واعتراف رسمي بمهنة مطبّق المبيدات، وربط كامل مع أسواق التصدير العالمية.

نحن لا نُصلح منظومة… بل نعيد بناءها من الأساس، لحماية الإنسان والبيئة والاقتصاد الوطني.