القشطة المصرية تغزو الأسواق وتنافس عالم الفواكه الاستوائية
تتألق فاكهة القشطة هذه الأيام في مزارع وادي النطرون بمحافظة البحيرة، حيث يشهد موسم الحصاد ذروته مع بداية شهر نوفمبر، لتتحول الحقول إلى لوحات خضراء تتناثر فيها الثمار الناضجة ذات اللون الأصفر المائل إلى الأخضر.
وتُعد القشطة من الفواكه الاستوائية النادرة التي استطاعت أن تتأقلم مع المناخ المصري منذ دخولها البلاد في النصف الأول من القرن العشرين، قادمة من موطنها الأصلي في أمريكا الجنوبية عبر محطات البحوث الزراعية. واليوم، أصبحت هذه الفاكهة واحدة من أهم المحاصيل عالية القيمة، لما تحتويه من عناصر غذائية ومركبات طبيعية ذات فوائد طبية وصحية متميزة.
مزيج نكهة استوائية فريدة
تتميّز فاكهة القشطة بشكلها الكروي ولونها الأخضر الفاتح الذي يتحول إلى الأصفر عند النضج، بينما يحمل لبّها الأبيض طعمًا يجمع بين الموز والمانجو والأناناس. وتزن الثمرة الواحدة قرابة نصف كيلوجرام، ما يجعلها مثالية للتناول طازجة أو في صناعة العصائر والحلويات الطبيعية.
موسم حصاد القشطة في وادي النطرون
في هذا الوقت من العام، تتواصل عمليات جمع ثمار القشطة على دفعات متتالية لضمان نضجها الكامل وجودتها العالية. ويقول الدكتور حسني عطية عزام، وكيل وزارة الزراعة بالبحيرة، إن المحافظة أصبحت من أبرز مناطق إنتاج القشطة في مصر بفضل طبيعتها المناخية الفريدة وتنوع تربتها، مشيرًا إلى أن محصول هذا العام يُعد الأعلى إنتاجية خلال السنوات الأخيرة بفضل تطبيق الممارسات الزراعية السليمة والبرامج الإرشادية التي تم تنفيذها للمزارعين.
وأوضح "عزام" أن قرى مركز وادي النطرون تزرع نحو 190 فدانًا من فاكهة القشطة، بإنتاج سنوي يقدَّر بعشرات الآلاف من الأطنان، تُسهم في دعم الاقتصاد الوطني عبر زيادة الصادرات الزراعية، مؤكدًا أن القشطة تحوّلت من فاكهة نادرة إلى أحد عناصر التنمية الزراعية المستدامة في دلتا مصر.
من القصور الملكية إلى كل بيت مصري
ويشير الدكتور خالد صالح، الأستاذ بكلية الزراعة بجامعة دمنهور، إلى أن فاكهة القشطة كانت تُزرع في مصر منذ عهد محمد علي باشا داخل القصور الملكية فقط، قبل أن تنتقل زراعتها تدريجيًا إلى عامة الشعب.
وتُعد الأصناف المزروعة حاليًا متعددة، من أبرزها صنف "عبد الرازق" وهو الأكثر انتشارًا في الأسواق المصرية لما يتميز به من حجم كبير وطعم كريمي حلو وقلة البذور، إضافة إلى أصناف أخرى مثل البلدي والهندي وقلب الثورة وأتيمويا.
فاكهة عضوية 100% ومصدر للشفاء
ويؤكد "صالح" أن القشطة من الأشجار المعمرة التي تُزرع دون استخدام مبيدات أو أسمدة كيماوية، ما يجعلها فاكهة عضوية مئة بالمئة. وتبدأ الشجرة بالإثمار بعد عامين أو ثلاثة من زراعتها، لتنتج بين 100 و150 كيلوجرامًا من الثمار في الموسم الواحد.
كما بيّن أن القشطة تُعد من الأغذية المقاومة للأمراض بفضل محتواها العالي من فيتامين (C) ومضادات الأكسدة والمعادن مثل الكالسيوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم، مشيرًا إلى دراسات علمية أُجريت في جامعة أوماها بالولايات المتحدة عام 1970، أثبتت قدرتها على مقاومة أكثر من 12 نوعًا من السرطان، إضافة إلى فعاليتها في تقوية جهاز المناعة وتحسين صحة القلب والمفاصل والوقاية من السكري.
فاكهة نادرة بأسواق محلية وعالمية
من جانبه، أوضح المهندس أحمد منازع، الخبير الزراعي، أن زراعة القشطة رغم نجاحها في مصر لا تزال محدودة الانتشار، لكنها تحقق عوائد اقتصادية مرتفعة نظرًا لارتفاع الطلب المحلي والعالمي عليها.
وأضاف أن القشطة بدأت تشق طريقها نحو الأسواق الخارجية، إذ تُصدَّر حاليًا إلى عدد من الدول العربية مع خطط مستقبلية لتوسيع التصدير إلى أوروبا بعد تطوير تقنيات التعبئة والتغليف والنقل المبرد.
زراعة مربحة تتطلب دقة ومجهودًا كبيرًا
ويشير المزارع جلال عبد التواب إلى أن زراعة القشطة تحتاج إلى عناية خاصة ومجهود بدني كبير، لأنها تعتمد على تلقيح يدوي دقيق للزهور، ما يجعل ثمارها من بين الأغلى سعرًا في الأسواق.
وأوضح أن صنف "قشطة عبد الرازق" يُعد الأكثر رواجًا تجاريًا، إذ جرى تطويره في منتصف القرن الماضي ليتلاءم مع طبيعة التربة المصرية، فأصبح صنفًا محليًا مميزًا بطعمه الفريد ونكهته الكريمية.
بين الفجر والغروب.. رحلة الحصاد اليدوي
ويحكي العامل الزراعي جمال أحمد تفاصيل يوم الحصاد قائلًا: "نبدأ جمع الثمار بعد صلاة الفجر عندما تكون باردة للحفاظ على جودتها، فنستخدم مقصات حادة لقطع الساق برفق دون إتلاف الثمرة، ثم تُرصّ بعناية في الصناديق وتنقل مباشرة إلى الثلاجات أو الأسواق". ويُختتم الموسم عادة مع نهاية نوفمبر حسب نوع الصنف المزروع.
زراعة المستقبل
تؤكد وزارة الزراعة أنها تعمل بالتعاون مع المزارعين على توسيع الرقعة المزروعة بفاكهة القشطة وتطوير عمليات ما بعد الحصاد لزيادة القدرة التصديرية. فهذه الفاكهة التي جمعت بين الطعم الفريد والفائدة الصحية تمثل اليوم إحدى ركائز الزراعة الحديثة في مصر، ومصدرًا واعدًا لتحقيق الأمن الغذائي وزيادة الدخل القومي.


.jpg)























