التقاوي المصرية تنهض بالزراعة وتقلل فاتورة الاستيراد.. تفاصيل

قال الدكتور محمد يوسف، أستاذ الزراعة والمكافحة الحيوية بكلية الزراعة جامعة الزقازيق، ومستشار الزراعة العضوية بجامعة الدول العربية، إن مصر كانت تستورد نحو 8 مليارات بذرة من تقاوي الخضروات سنويًا، أي ما يعادل 98% من احتياجاتها، لكن هذا الاعتماد الكلي على الخارج مثل خطرًا كبيرًا، خاصة في أوقات الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا، حيث تميل الدول إلى الانغلاق وتقييد صادراتها.
من هنا، انطلقت فكرة المشروع القومي لإنتاج بذور وتقاوي الخضروات في عام 2019، بهدف تقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، وإنهاء احتكار الشركات العالمية لسوق التقاوي في مصر، الذي بلغ سابقًا نحو 7 مليارات جنيه سنويًا.
برنامج طموح ومتكامل
يرتكز البرنامج الوطني لإنتاج التقاوي على اختيار أكثر المحاصيل التي تعتمد مصر على استيراد تقاويها، مثل الكوسة، والطماطم، والخيار، والبطيخ، والكنتالوب، والفلفل، واللوبيا، والبسلة، والفاصوليا، والباذنجان، بالإضافة إلى البطاطس.
ويُعد هذا المشروع جزءًا من منظومة زراعية كبرى تشمل التوسع الأفقي في الأراضي الزراعية بنحو 4 ملايين فدان، إضافة إلى التوسع الرأسي عبر 100 ألف فدان من الصوب الزراعية، يعادل إنتاجها ما يزيد عن مليون فدان من الزراعة التقليدية.
دعم حكومي وشراكة مع القطاع الخاص
الدولة، بحسب الدكتور يوسف، وفرت بيئة تشريعية واستثمارية مشجعة، وأطلقت مشروعات عملاقة مثل "مستقبل مصر الزراعي" و"توشكى الخير" و"الدلتا الجديدة"، مدعومة بتحولات كبرى في نظم الري الحديثة، وترشيد استخدام المياه، وتطوير البنية التحتية الزراعية.
وأضاف أن الدولة تبنّت إجراءات قانونية صارمة لمكافحة غش التقاوي، مع رقابة مستمرة على الأسواق، وتفعيل برامج التوعية والإرشاد للمزارعين، لضمان تداول التقاوي المعتمدة عالية الجودة فقط، والتي تتميز بمقاومتها للآفات وتوفيرها في المياه، وتحملها لملوحة التربة والجفاف.
نجاحات ملموسة على الأرض
البرنامج نجح حتى الآن في تسجيل وتطوير نحو 28 صنفًا وهجينًا من الخضر، تتميز جميعها بقدرتها على مقاومة التغيرات المناخية والآفات، ودورة حياة قصيرة، ومعدلات إنتاجية مرتفعة. من أبرز الإنجازات:
تسجيل 5 أصناف وهجن من الطماطم تتفوق على المستوردة.
تطوير 5 هجن من البطيخ و7 من الباذنجان، و5 من الكنتالوب.
إنتاج 4 أصناف متميزة من الفلفل الحلو، والبسلة، واللوبيا.
استنباط سلالات مقاومة لحشيشة الهالوك المدمر لمحصول الفول البلدي.
نقلة نوعية في إنتاج البطاطس
يشمل البرنامج أيضًا مشروعات لإنتاج تقاوي البطاطس باستخدام زراعة الأنسجة، لضمان سلالات خالية من الأمراض، مع إنشاء مجمعات متخصصة للتعبئة والتخزين والتربية في عدد من المحافظات، أبرزها داخل قاعدة محمد نجيب العسكرية، والتي تضم 1300 صوبة زراعية على مساحة 10 آلاف فدان.
أهداف مستقبلية طموحة
البرنامج يستهدف في مرحلته الأولى إنتاج 4.7 مليار وحدة بذور خلال 5 سنوات، وهو ما يمثل حوالي 60% من احتياجات السوق المحلي. ويعتمد في ذلك على شراكات دولية، أبرزها مع شركة إسبانية متخصصة، إلى جانب معاهد بحثية وطنية مثل معهد بحوث البساتين، والهندسة الوراثية، ووقاية وأمراض النباتات.
رؤية القطاع الخاص: نحو الاكتفاء الذاتي
من جانبه، أوضح المهندس محمود حمودة، الرئيس التنفيذي لشركة "تكنو سيدز"، أن الشركة نجحت في تطوير عدة أصناف من الذرة والقمح، وتسعى لإطلاق صنف جديد من "الذرة السوداء" خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى أصناف محسنة من فول الصويا والسمسم.
وأضاف أن شركته تنتج سنويًا نحو 1500 طن من تقاوي الذرة، وتستحوذ على 15% من السوق المحلي، وتستهدف رفعها إلى 25%، مع تصدير نحو 20% من الإنتاج لأسواق خارجية مثل السعودية والأردن والسودان.
تقارير رسمية: توفير ملايين الجنيهات
بحسب تصريحات الدكتور عبد العزيز الطويل، وكيل معهد بحوث البساتين، تمكن البرنامج بين 2021 و2023 من توفير نحو 14 مليون جنيه من فاتورة استيراد التقاوي، رغم أن إنتاج صنف واحد قد يستغرق من 6 إلى 8 سنوات. وتعمل وزارة الزراعة على التوسع في الإنتاج المحلي، وفتح آفاق التعاون مع شركات دولية لتوطين صناعة التقاوي داخل مصر.
استراتيجية شاملة لمستقبل زراعي مستقل
رؤية الدولة لا تقتصر على تقليل الفاتورة الاستيرادية، بل تتسع لتشمل:
دعم المزارع المصري بالتقاوي المعتمدة وبأسعار مناسبة.
تعزيز جودة المحاصيل لفتح أسواق تصديرية جديدة.
تقليل الاعتماد على المبيدات والأسمدة الكيميائية.
حماية الأمن القومي الزراعي من التبعية الخارجية.