الأرض
الأحد 18 مايو 2025 مـ 11:49 مـ 20 ذو القعدة 1446 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

الألوان الصناعية وتأثيرها على صحة المستهلك

   د. عزيزة ثروت جمال مصطفى
د. عزيزة ثروت جمال مصطفى

شهدت العقود الأخيرة انتشارًا واسعًا لاستخدام الألوان الصناعية في صناعة الأغذية، حيث تُستخدم بهدف تحسين مظهر المنتجات وجذب المستهلكين، خاصة الأطفال. تدخل هذه الألوان في الحلوى، المشروبات الغازية، الزبادي، المثلجات، والمعجنات، وتُعد أحد العوامل الأساسية في التسويق الغذائي.

ومع ذلك، فقد تصاعدت التحذيرات من قبل متخصصين في التغذية والصحة العامة حول التأثيرات السلبية المحتملة لهذه الألوان على صحة الإنسان، خصوصًا الأطفال. وبدأ الوعي المجتمعي يتزايد تدريجيًا مع تزايد الدراسات العلمية التي تبحث في سلامة هذه المواد ومدى تأثيرها على الصحة العامة.

*أنواع الألوان الصناعية المستخدمة في الأغذية
الألوان الصناعية هي مركبات كيميائية تُضاف إلى الأغذية لإضفاء مظهر جذاب وتحسين جودتها التسويقية، وتصنف عادةً إلى:
1. ألوان مسموح بها دوليًا مثل:
- التارترازين (E102)- يمنح لونًا أصفر ليمونيًا.
- صن سيت يلو (E110) - يضفي لونًا برتقاليًا مائلًا إلى الأصفر.
- أحمر ألورا (E129) - لون أحمر شائع في الحلويات والمشروبات.
- الأزرق البرّاق FCF (E133) - يستخدم في الجيلاتين والحلوى.
- كينولين أصفر (E104) - يمنح لونًا أصفر مخضرًا.

2. ألوان محظورة أو مقيدة الاستخدام في بعض الدول بسبب تأثيراتها الصحية، مثل التارترازين وبعض الصبغات الحمراء والزرقاء التي أثارت الجدل حول سلامتها.

*الألوان الطبيعية: البديل الأكثر أمانًا
على عكس الألوان الصناعية، تُستخدم الألوان الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية أو حيوانية، وتُعد خيارًا صحيًا مفضلًا لسلامة المستهلكين. ومن أمثلتها:
- اللون الأحمر: يُستخرج من البنجر (الشمندر) أو من حشرة الكوشنيل، كما تُستخدم صبغة الكارمين لإعطاء اللون الأحمر القوي.
- اللون الأصفر: يُستخلص من الكركم والزعفران الغنيين بالكركمين والكروسين.
- اللون البرتقالي: مستمد من الجزر واليقطين، وهما غنيان بالبيتا كاروتين.
- اللون الأخضر: يُستخرج من الكلوروفيل الموجود في الأوراق الخضراء.
- الألوان البنفسجية والزرقاء: تعتمد على مستخلصات التوت الأزرق والعنب، لاحتوائها على الأنثوسيانينات.
- الألوان البنية والسوداء: مثل الكراميل الناتج عن تسخين السكر، أو مستخلص الكاكاو والقهوة، وأحيانًا الفحم النباتي أو حبر الحبار.

ورغم أن الألوان الطبيعية تتميز بأمانها واحتوائها على مضادات أكسدة مفيدة، إلا أنها أقل استقرارًا تجاه العوامل البيئية مثل الحرارة والضوء، مما يستلزم تقنيات دقيقة للحفاظ على جودتها.

*تأثير الألوان الصناعية على صحة الأطفال
الأطفال يُعدّون الفئة الأكثر تأثرًا باستهلاك الأغذية المحتوية على ألوان صناعية، نظرًا لأن جهازهم المناعي لا يزال في طور النمو، كما أن أدمغتهم أكثر حساسية للمواد الكيميائية. ومن أبرز التأثيرات الصحية التي حذرت منها الدراسات:
1. فرط النشاط ونقص الانتباه (ADHD)
- كشفت دراسة أجرتها جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة عن وجود ارتباط بين استهلاك بعض الألوان الصناعية وزيادة معدل النشاط المفرط لدى الأطفال، مع صعوبة التركيز لديهم.

2. الحساسية والطفح الجلدي
- تظهر لدى بعض الأطفال أعراض حساسية جلدية أو تنفسية بعد استهلاك المنتجات المحتوية على ألوان صناعية، خاصة تارترازين (E102) وصن سيت يلو (E110).

3. اضطرابات الجهاز الهضمي
- مثل الغثيان، الانتفاخ، أو التلبك المعوي، خصوصًا عند الإفراط في تناول الأغذية المصنعة والمحتوية على هذه المواد.

4. التأثيرات السامة المزمنة
- أشارت بعض الأبحاث إلى أن تراكم المواد الكيميائية الموجودة في الألوان الصناعية داخل الجسم قد يزيد من خطر الإصابة ببعض الأمراض، مثل السرطان على المدى البعيد.

*الجدل العلمي حول الألوان الصناعية
تختلف الآراء بين الجهات المعنية:
- مصنّعو الأغذية يرون أن استخدام الألوان الصناعية ضروري لتحسين مظهر المنتجات، مشيرين إلى أنها تخضع لرقابة صحية صارمة.
- خبراء التغذية يدعون إلى تقليل استخدامها واستبدالها بالبدائل الطبيعية، خاصة في منتجات الأطفال.
- المنظمات الصحية الدولية مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) وهيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، تحدد الجرعات اليومية المسموح بها لهذه الألوان، لكنها توصي بالحذر في الاستخدام.

*دور البحث العلمي في تقليل المخاطر
يسهم البحث العلمي في تطوير بدائل آمنة وتقليل تأثيرات الألوان الصناعية الضارة، من خلال:
- تطوير بدائل طبيعية مستخلصة من النباتات، مثل الفراولة والفلفل الأحمر.
- تحسين تقنيات التصنيع للحفاظ على استقرار الألوان الطبيعية في المنتجات المختلفة.
- إجراء دراسات طبية لرصد التأثيرات الصحية طويلة الأمد، خصوصًا على الأطفال.
- التوعية المجتمعية عبر حملات تثقيفية حول مخاطر الإفراط في استهلاك المنتجات المحتوية على ألوان صناعية.

*الخلاصة: مسؤولية صحية مشتركة
رغم دور الألوان الصناعية في تحسين مظهر الأغذية وتسويقها، فإن تأثيراتها الصحية المحتملة تستدعي إعادة النظر في مدى استخدامها، خصوصًا في منتجات الأطفال. لذا، فإن دعم البحث العلمي، وتطوير بدائل طبيعية، وزيادة الوعي المجتمعي، يمثل خطوات ضرورية لضمان توفير أغذية آمنة وصحية للأجيال القادمة.

--------------------------
*باحث بقسم بحوث تكنولوجيا الحاصلات البستانية