فتح التصدير ضرورة لإنقاذ سوق الكتاكيت المصري

تشهد سوق الدواجن المصرية حالة من الاضطراب الشديد في ظل تراجع حاد في أسعار الكتكوت، الأمر الذي يهدد بهزّ كيان صناعة تعد من أهم ركائز الأمن الغذائي في البلاد. وفي الوقت الذي كان فيه الكتكوت يُباع بأسعار خيالية وصلت إلى 60 جنيهًا في ذروة الطلب، تراجعت الأسعار اليوم لتتراوح بين 15 إلى 20 جنيهًا فقط، وسط توقعات بانخفاض أكبر في الأيام المقبلة.
فائض إنتاج غير محسوب يقود الأزمة
يُرجع مصطفى رجب متولي، أحد مربي الدواجن من مركز ميت غمر، هذا الانهيار في الأسعار إلى سياسة إنتاجية غير مدروسة من قبل شركات إنتاج "الأمهات". ويوضح أن الأرباح الضخمة التي تحققت في العام الماضي — حين كان هامش الربح في بيع الكتكوت يتجاوز 200% في اليوم الواحد — دفعت العديد من الشركات إلى زيادة عدد الأمهات بشكل مبالغ فيه، ما تسبب حاليًا في فيضان بالسوق من الكتاكيت دون وجود طلب مماثل.
وقال"نحن ننتج أكثر مما يحتاجه السوق، والنتيجة أن الجميع يخسر: مربو الأمهات، ومربو التسمين، والمستهلك في النهاية"، يقول متولي، مشددًا على أن الاستمرار بهذه الوتيرة الإنتاجية سيؤدي إلى كوارث اقتصادية لصغار ومتوسطي المنتجين.
بيض الأمهات مقابل بيض المائدة.. الفرق الجوهري والتكلفة الباهظة
وتطرق متولي إلى الفرق الجوهري بين بيض الأمهات وبيض المائدة، موضحًا أن البيض المخصب، الناتج عن تزاوج الدجاج مع ديك، يُستخدم أساسًا في التفريخ لإنتاج الكتاكيت، بينما يُستهلك بيض المائدة مباشرة. وبيّن أن تكلفة إنتاج البيض المخصب أعلى بكثير؛ إذ تصل تكلفة الكتكوت الناتج عن بيض الأمهات إلى نحو 800 جنيه في بعض الفترات، مقابل سعر بيع للبيضة لا يتعدى 5 جنيهات، ما يشكّل معادلة اقتصادية خاسرة للمنتج إذا تم طرح هذا البيض في السوق بدلاً من تفريخه.
أحمد نبيل: البيض المخصب لا يُطرح في الأسواق.. والتصدير حل لإنقاذ السوق
من جهته، أكد المهندس أحمد نبيل، رئيس شعبة بيض المائدة باتحاد منتجي الدواجن، أن البيض المخصب لا يُطرح للمستهلك العادي، بل يُستخدم فقط في معامل التفريخ.
وأوضح أن المستهلك يحصل على بيض المائدة العادي، الذي يُنتج بكميات ضخمة وبتكلفة أقل.
وأشار نبيل إلى أن الكتكوت البيّاض يُباع حالياً بأسعار منخفضة لا تغطي تكاليف إنتاجه، ما يُكبد المنتجين خسائر فادحة.
وقال إن فتح باب تصدير الكتكوت عمر يوم واحد يُعد خطوة استراتيجية لتقليل الضغط على السوق المحلية، وتوفير عملة صعبة تدعم استمرار الصناعة.
غياب التسعير الرسمي.. وسماسرة يتحكمون في مليارات الجنيهات
وأشار إلى أن من أبرز الإشكاليات التي تعمق الأزمة، بحسب متولي، هي غياب جهة رسمية تتولى مسؤولية تسعير الدواجن والكتاكيت، ما ترك السوق رهينة لعدد من السماسرة غير المؤهلين، الذين يتحكمون في الأسعار دون أي آلية واضحة.
وأضاف: "كل يوم نرى أسعاراً مختلفة من مصادر غير رسمية. أحدهم يضع سعر الكتكوت عند 62 جنيهًا، وآخر يرفعه إلى 65 جنيهًا، دون مبرر. هؤلاء لا يملكون أدنى دراية بأساسيات الاقتصاد أو آليات السوق، ومع ذلك يتحكمون في صناعة حجمها مليارات الجنيهات".
وطالب متولي بإطلاق بورصة دواجن مستقلة تكون خاضعة لرقابة اقتصادية متخصصة، تضع أسعارًا استرشادية عادلة تضمن استمرارية الإنتاج وتحفظ للمستهلك حقه في سعر متوازن.
رؤية عبد العزيز السيد: لا أزمة في البيض.. والتصدير ضرورة وليس ترفًا
من جانبه، أكد الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة باتحاد الغرف التجارية، أن السوق المصري يمتلك وفرة كبيرة من بيض الأمهات وبيض المائدة، ما ينفي وجود أي أزمة حقيقية في المعروض.
وقال السيد: "لدينا وفرة في الإنتاج تتجاوز 1.6 مليار كتكوت، ولا حاجة لاستيراد البيض أو الكتاكيت في الوقت الراهن. بل على العكس، علينا استغلال هذه الوفرة في دعم ملف التصدير، خاصة أن الدول المستوردة مستعدة لشراء الكتكوت المصري، وهو ما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني ويوفر العملة الصعبة".
وشدد على أن المطلوب حاليًا هو تحقيق معادلة سعرية عادلة تضمن هامش ربح للمربين، وتحمي صغار المنتجين من الانسحاب من السوق، مؤكداً أن الدواجن تُمثّل المصدر الأساسي للبروتين الحيواني لمعظم الأسر المصرية.
خلاصة المشهد:
ما تشهده سوق الدواجن في مصر اليوم ليس أزمة عرض وطلب فحسب، بل هو انعكاس لغياب التخطيط والتنسيق بين المنتجين والجهات التنظيمية. ومع غياب التسعير العادل، وتدخل غير المختصين، تقف صناعة الدواجن، التي توفر 75% من احتياجات المواطن المصري من البروتين الحيواني، أمام تحديات تهدد استدامتها.
إن فتح باب التصدير، وإنشاء بورصة مستقلة، ووضع آليات شفافة لتحديد الأسعار، هي خطوات لا تحتمل التأجيل إذا أردنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الصناعة الاستراتيجية.