منتجات الألبان تُعزز طاقة الخلية
من حين لآخر يخرج علينا من يدعي أن شرب الألبان ضار؛ حجته في ذلك أن الحليب غذاء صغار الثدييات وليس البالغين من البشر، مما أثار –خطأً- الريبة والشك في ضرورة وأهمية الألبان ومنتجاتها، للأسف هذه الإدعاءات أبعد ما تكون عن حقيقية وقيمة الألبان الغذائية والصحية، في هذه السطور نكشف اللثام عن الأهمية الصحية والوظيفية لتناول الألبان ومنتجاتها، حيث أُكتشف مؤخراً كيف يُعزز الحمض الأميني "الليوسين" كفاءة الميتوكوندريا من خلال الحفاظ على البروتينات الأساسية التي تُحفز إنتاج الطاقة. ومن خلال تثبيط بروتين (SEL1L)، يمنع الليوسين التدهور غير الضروري ويُعزز إنتاج الطاقة في الخلية. تربط هذه الاكتشافات النظام الغذائي مباشرةً بصحة الميتوكوندريا، وتُشير إلى تطبيقات علاجية مُحتملة للأمراض المُتعلقة بالطاقة.
الميتوكوندريا هي عُضية مجهرية داخل الخلايا، مسؤلة عن تُوليد الطاقة اللازمة للجسم. ولأن احتياجات الطاقة تتغير باستمرار، يجب على الميتوكوندريا ضبط نشاطها باستمرار لمواكبة ذلك. ويعتمد هذا التكيف جزئيًا على العناصر الغذائية المُتاحة للخلية. ومع ذلك، حتى وقت قريب، لم يستطع العلماء تفسير كيف تؤثر العناصر الغذائية على عملية تعديل الطاقة في الخلية.
إذن كيف يدعم الليوسين إنتاج الطاقة؟ قبل أن نجيب عن هذا السؤال يجب أن نعرف ماهو الليوسين؟ الليوسين هو أحد الأحماض الأمينية الأساسية، أي أنه يجب الحصول عليه من خلال الطعام حيث لا يستطيع الجسم انتاجه. يُعدّ الليوسين عنصرًا أساسيًا في تخليق البروتين، وهو متوفر بكثرة في الأطعمة الغنية به، أهمها منتجات الألبان، و اللحوم والبقوليات كالفاصوليا والعدس. وقد وُجد أن الليوسين يُساعد على حماية بروتينات مُعينة على الغشاء الخارجي للميتوكوندريا من التحلل. وتُعدّ هذه البروتينات حيويةً لأنها تنقل جزيئات أيضية أخرى إلى الميتوكوندريا لتوليد الطاقة. ومن خلال حفظها، يُمكّن الليوسين الميتوكوندريا من العمل بكفاءة أكبر، مما يُؤدي إلى إنتاج طاقة أعلى داخل الخلية.وبذلك فإن مستويات الليوسين، تُؤثر بشكل مباشر على إنتاج الطاقة. كما تُمكّن هذه الآلية الخلايا من التكيف بسرعة مع زيادة الطلب على الطاقة خلال فترات وفرة العناصر الغذائية. كماتبين أن بروتينًا يُسمى (SEL1L) يلعب دورًا مهمًا في هذه العملية. يُعدّ SEL1L جزءًا من نظام مراقبة جودة الخلية، الذي يُحدد البروتينات المعيبة أو غير المُطوية جيدًا، ويُزيلها. يبدو أن الليوسين يُقلل من نشاط SEL1L، مما يُقلل من تحلل بروتينات الميتوكوندريا ويُحسّن من أدائها. و قد يكون تعديل مستويات الليوسين وبروتينSEL1L استراتيجيةً لتعزيز إنتاج الطاقة.
يلعب بروتين SEL1L أيضًا دورًا حاسمًا في منع تراكم البروتينات التالفة، وهو أمرٌ ضروري لصحة الخلايا على المدى الطويل. وتم الكشف أن مشاكل أيض الليوسين يُمكن أن تُضعف وظيفة الميتوكوندريا، بل وتُسبب مشاكل في الخصوبة. وعند فحص خلايا سرطان الرئة البشري، وُجد أن بعض الطفرات التي تؤثر على أيض الليوسين تُساعد خلايا السرطان على البقاء، مما يُسلط الضوء على عامل مهم لاستراتيجيات علاج السرطان المستقبلية. تُظهر هذه الاكتشافات أن الألبان ومنتجاتها وبعض البقوليات التي نتناولها لا يقتصر دورها على تزويد الجسم بالطاقة فحسب، بل تُؤثر بشكل فعّال على كيفية إنتاج الطاقة داخل الخلايا. من خلال الكشف عن كيفية تأثير الليوسين على أيض الميتوكوندريا، تُشير دراسات إلى أهداف علاجية جديدة محتملة للحالات المرتبطة بانخفاض إنتاج الطاقة، بما في ذلك السرطان والاضطرابات الأيضية.
في النهاية لا يجب أن تكون نظرتنا سطحية لدور الأغذية خاصة الألبان، فكل يوم تكشف لنا الأبحاث وظائفها وأدوارها المعقدة في الجسم، كما يجب ألا ننساق وراء مُدعي المعرفة والعلم دون أي سند أو حجة علمية.
*استاذ ميكروبيولوجيا الاغذية والألبان
معهد بحوث تكنولوجيا الاغذية


.jpg)























