حرارة المناخ تصيب الأرز بالاختناق الغذائي

أوضح الدكتور محمد فهيم، رئيس مركز معلومات تغير المناخ، أنه في مشهد بات يتكرر في عدد من الحقول الزراعية بمناطق الدلتا المصرية، تصاعدت شكاوى مزارعي الأرز من ظواهر غير معتادة تهدد هذا المحصول الاستراتيجي. اصفرار في أطراف الأوراق العليا، جفاف في السفلية، وضعف واضح في النمو… مشهد مقلق لا سيما في الأرز "البدار" المزروع خلال النصف الثاني من شهر مايو، وسط تساؤلات ملحّة عن السبب والحل.
وكشف الدكتور محمد فهيم، تفاصيل هذه الظاهرة الزراعية التي أثارت قلقاً واسعاً بين الفلاحين، مؤكداً أن السبب الرئيسي يكمن في اضطراب عمليات الامتصاص داخل النبات، نتيجة تقلبات حادة في المناخ خلال مراحل الزراعة الأولى.
مناخ مضطرب وتأثيرات مزدوجة
وفقاً لفهيم، فإن الموجات المتتالية من الحرارة الشديدة التي ضربت الدلتا تسببت في نقص عناصر غذائية حيوية، خاصة الفسفور والبوتاسيوم، إلى جانب نقص عنصر الزنك الضروري لنمو الأرز، ما أدى إلى تقزّم النباتات وظهور أعراض الضعف العام.
ولم يستبعد الخبير الزراعي أن يكون لبعض الممارسات الخاطئة في استخدام مبيدات الحشائش دور في تفاقم الأزمة، كالرش بتركيزات أعلى من المطلوب، أو استخدام خلطات غير مناسبة في توقيتات غير مدروسة.
خارطة الإنقاذ... خطوات فنية لاستعادة النمو
في مواجهة هذا التحدي، طرح الدكتور فهيم خطة إنقاذ مدروسة تعتمد على مجموعة من الإجراءات العاجلة والفعالة، يمكن أن تعيد للنبات توازنه وتحافظ على ما تبقى من المحصول. وجاءت التوصيات كالتالي:
1. إضافة حامض فسفوريك بنسبة 70% بكمية تتراوح بين 10 إلى 12 كيلوجراماً، يتم توزيعها على مرتين خلال أقرب ريتين، مع التحذير من استخدام حامض الكبريتيك.
2. الاعتماد على سلفات النشادر أو نترات الكالسيوم فقط خلال هذه المرحلة، بمعدل 75 كجم من الأولى أو 50 كجم من الثانية للفدان.
3. تجفيف الحقل لمدة تتراوح بين يومين إلى ثلاثة أيام، ثم إعادة الري تدريجياً بالتناسب مع عمر النبات.
4. الرش بمحلول كبريتات الزنك بنسبة 2% (بمعدل 4 كجم للفدان)، ويفضل أن يتم ذلك مساءً، أو استخدام 2 كجم من الزنك المخلبى في 200 لتر ماء لكل فدان. حيث يعمل الزنك على تنظيم حركة الهرمونات داخل النبات، مما يقلل من تأثير الإجهاد الحراري.
5. المرحلة الأخيرة تشمل الرش بمزيج مغذٍ متكامل، يتضمن 1 كجم من الأحماض الأمينية (مثل فولفيك، أمينو برولين أو هيدروكسي برولين)، مضافاً إليه 400 جم من الطحالب البحرية، 500 جم من عناصر غذائية عالية في المغنسيوم والمنغنيز والحديد، بالإضافة إلى 25 سم من مادة "سيتوكينين" في 300 لتر ماء للفدان.
المستقبل... نحو زراعة أكثر استعداداً لتغيرات المناخ
رغم التحديات المناخية المتزايدة، يشير هذا التدخل العلمي إلى أن إنقاذ محصول الأرز لا يزال ممكناً إذا تم التدخل في الوقت المناسب وبالأساليب الفنية الدقيقة. ولكن، تبقى الرسالة الأهم هي أن الزراعة المصرية في المستقبل بحاجة إلى إستراتيجيات وقائية وتخطيط استباقي لمواجهة سيناريوهات مناخية متقلبة، باتت واقعاً لا مفر منه.
وفي الوقت الذي يُعد فيه الأرز من أهم المحاصيل الغذائية في مصر، فإن الحفاظ على جودته وإنتاجيته يتطلب تعاوناً دائماً بين المزارعين والمؤسسات العلمية، لضمان تحقيق الأمن الغذائي في مواجهة تحديات بيئية متصاعدة.