الأرض
الجمعة 17 أكتوبر 2025 مـ 12:03 صـ 23 ربيع آخر 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

خبراء: تجاهل حرارة التربة يهدد الأمن الغذائي

درجة حرارة التربة
درجة حرارة التربة

أكد الدكتور خالد سالم، أستاذ البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بجامعة مدينة السادات، أن أحد العوامل المحورية في نجاح الزراعة لا يزال مغيبًا عن وعي كثير من المزارعين، رغم كونه عاملًا حاسمًا في تحديد إنتاجية المحاصيل وجودتها؛ إنه درجة حرارة التربة، التي وصفها بـ"العنصر المنسي" وسط ضجيج الحديث عن الطقس والتقلبات المناخية.

وفي ظل التحديات المتسارعة التي تفرضها التغيرات المناخية العالمية، تتعاظم أهمية هذا العامل، الذي لا يقل تأثيرًا عن كمية الأمطار أو نوع التربة أو درجة الحرارة الجوية.

لماذا يجب أن نهتم بدرجة حرارة التربة؟

خلافًا لما يعتقده كثيرون، فإن توقيت الزراعة لا ينبغي أن يُحدد فقط بناءً على درجة حرارة الجو، بل على حرارة التربة، التي تتحكم فعليًا في:

سرعة ونسبة إنبات البذور: لكل محصول درجة حرارة مثالية تُساعد على الإنبات السليم. الزراعة في تربة باردة تؤدي غالبًا إلى تأخر الإنبات أو فشله.

نشاط الكائنات الدقيقة النافعة: هذه الكائنات تعمل على تحليل المواد العضوية وتحويلها إلى عناصر غذائية تمتصها النباتات بسهولة.

امتصاص العناصر الغذائية: مثل الفوسفور والنيتروجين والبوتاسيوم، والتي تصبح أقل فاعلية في درجات حرارة منخفضة.

نمو الجذور وتماسك النبات: الجذور تحتاج إلى حرارة معتدلة، إذ تؤدي البرودة أو الحرارة المفرطة إلى ضعفها واضطراب النمو.

درجات الحرارة المثلى لبعض المحاصيل

يوضح الدكتور سالم أن المحاصيل تختلف في متطلباتها الحرارية، ما يعني ضرورة مراقبة درجة حرارة التربة بعناية قبل الزراعة:

الذرة: تحتاج إلى حرارة لا تقل عن 10 درجات مئوية لبدء الإنبات.

القطن: يجب أن تُزرع بذوره عند وصول حرارة التربة إلى 15 درجة مئوية.

القمح والشعير: يمكن أن تنبت عند درجات تبدأ من 5 درجات مئوية، لكنها تظل حساسة للتغيرات الحرارية أثناء النمو.

هذه القيم مرنة نسبيًا، حيث تختلف تبعًا لنوع التربة، ورطوبتها، والموقع الجغرافي، لكنها تظل مرجعًا أساسيًا لتحديد توقيت الزراعة.

كيف نقيس حرارة التربة بدقة؟

يقترح الخبراء عدة أدوات وأساليب بسيطة لكنها فعالة:

ميزان حرارة التربة (Soil Thermometer): يُغرس في التربة على عمق الزراعة المستهدف، ويُفضل القياس صباحًا.

أجهزة استشعار ذكية: تنقل بيانات فورية إلى الهاتف أو الحاسوب، وتُستخدم في أنظمة الزراعة الذكية.

يجب أخذ القراءات في نفس الوقت يوميًا، وعلى عمق ثابت، لضمان الحصول على بيانات دقيقة وقابلة للمقارنة.

التغير المناخي و"الارتباك الحراري" في التربة

مع اشتداد آثار التغير المناخي، أصبحت التربة نفسها تعاني من اضطرابات حرارية. التربة إما أن تجف بسرعة غير معهودة أو تتعرض لتغيرات فجائية في حرارتها، ما يؤثر سلبًا على نشاط الكائنات الدقيقة، ويُدخل النباتات في ما يُعرف بـ"الصدمة الحرارية"، وهي حالة تؤدي إلى تباطؤ النمو أو موت النبات.

من هنا، يُصبح مراقبة حرارة التربة عنصرًا حيويًا للتأقلم مع المناخ الجديد.

خطوات عملية للمزارعين:

لا تزرع مبكرًا: انتظر حتى تصل حرارة التربة إلى الحد المطلوب لكل محصول.

استخدم المهاد (Mulch): للمساعدة في تثبيت حرارة التربة والحفاظ على رطوبتها.

استثمر في أدوات قياس دقيقة: الأجهزة الذكية أصبحت متاحة بتكلفة بسيطة ونتائج دقيقة.

سجّل درجات الحرارة والملاحظات سنويًا: لبناء قاعدة بيانات محلية تساعد في التخطيط المستقبلي.

تابع التغيرات اليومية: خاصة في فترات التحول بين الفصول، حيث تكون الحرارة متقلبة.

التربة ليست مجرد تراب.. بل "كائن حي"

في خلاصة حديثه، يشير الدكتور خالد سالم إلى أن درجة حرارة التربة ليست مجرد رقم، بل هي "مؤشر حيوي" يعكس الحالة الصحية للأرض، ويحدد ما إذا كانت البذرة ستنمو وتثمر، أو تموت في مهدها.

ويضيف: "إذا كنا نطمح لأمن غذائي حقيقي ومستدام، فعلينا أن نعيد فهم علاقتنا بالتربة، وأن نراقب نبضها الحراري تمامًا كما يراقب الطبيب حرارة جسم المريض."