الأرض
السبت 20 سبتمبر 2025 مـ 12:24 مـ 27 ربيع أول 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

الإنتاج الحيواني يهدد المناخ رغم ضرورته الغذائية

حذر الدكتور عبدالمنعم صدقي، أستاذ بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني مركز البحوث الزراعية، من مفارقة تهدد مستقبل الكوكب: أكثر من ثلث سكان العالم يعتمدون على الثروة الحيوانية كمصدر رئيسي للبروتين، في حين يُتهم هذا القطاع بأنه من أكبر المساهمين في أزمة المناخ العالمية.

وأوضح صدقي أن الإنتاج الحيواني أصبح اليوم أحد أبرز التحديات البيئية، إذ يقف العالم بين مطرقة تأمين الغذاء وسندان خفض الانبعاثات الكربونية. ويؤكد أن إيجاد حلول متوازنة بات أمرًا عاجلًا، في ظل تفاقم الأزمة المناخية وتزايد الطلب العالمي على اللحوم ومنتجات الألبان.

أرقام تكشف عمق المشكلة

تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن قطاع الثروة الحيوانية يُنتج ما يقارب 6.2 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهو ما يعادل نحو 12% من إجمالي الانبعاثات البشرية.

وتتصدّر الأبقار قائمة المساهمين في التلوث، بإجمالي 3.8 مليار طن من الانبعاثات، معظمها من غاز الميثان، والذي تفوق قدرته على احتباس الحرارة ثاني أكسيد الكربون بـ28 ضعفًا.

في المقابل، يكشف البنك الدولي أن إنتاج كيلوجرام واحد من لحم البقر يولد نحو 100 كيلوجرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، مقارنة بـ30 كجم للحم الضأن و10 كجم فقط للدجاج. أما الحليب، فتشير التقديرات إلى أن لترًا واحدًا منه يُطلق ما بين 1.5 و3 كجم من الانبعاثات.

استنزاف للموارد… وإنتاجية محدودة

لا تتوقف آثار الإنتاج الحيواني عند حدود الانبعاثات، بل تمتد إلى استنزاف خطير للموارد الطبيعية. حيث تُستخدم 80% من الأراضي الزراعية عالميًا لإنتاج الأعلاف أو للرعي، في حين توفر اللحوم ومنتجات الألبان أقل من 20% من السعرات الحرارية على مستوى العالم.

كما أن إنتاج كيلوجرام من لحم البقر يحتاج إلى ما يقرب من 15 ألف لتر من المياه، في وقت يعاني فيه أكثر من ملياري إنسان من شُح المياه، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة.

المستقبل… تضاعف في الاستهلاك وزيادة في المخاطر

تشير التوقعات إلى أن إنتاج اللحوم سيرتفع إلى 406 ملايين طن بحلول عام 2034، بزيادة تُقدر بنحو 13% عن المعدلات الحالية. ومن المتوقع كذلك أن يرتفع الطلب على الألبان بـ33 مليون طن، خاصةً في مناطق مثل آسيا وأفريقيا، مما يزيد الضغط على الموارد والمناخ ما لم تُتخذ إجراءات سريعة وجذرية.

حلول عالمية… وتجارب واعدة

تسعى دول ومنظمات دولية لتقليل التأثير البيئي لقطاع الثروة الحيوانية عبر عدة مسارات:

إعادة تشكيل الأنماط الغذائية: من خلال التوجه نحو مصادر بروتين بديلة مثل البقوليات، الدواجن، والأسماك، وتشجيع استخدام البروتينات النباتية في برامج التغذية العامة، كما هو الحال في بعض الدول الأوروبية.

تقنيات مبتكرة: مثل إضافات الأعلاف التي تقلل من انبعاث غاز الميثان بنسبة تصل إلى 30%، إضافة إلى تحسين طرق تربية الأبقار لخفض الانبعاثات وتحسين كفاءة الهضم.

اللحوم المزروعة معمليًا: التي بدأت في دخول الأسواق في دول مثل الولايات المتحدة وسنغافورة، باعتبارها خيارًا يقلل الضغط على الأراضي والمياه.

نماذج الزراعة الذكية: مثل التجربة الهولندية التي نجحت في خفض الانبعاثات الزراعية بنسبة 17% خلال 10 سنوات عبر إدارة دقيقة للأعلاف والسماد.

معركة بين الغذاء والمناخ

أوضح صدقي أن التحدي الأكبر ليس في إنتاج المزيد من الغذاء، بل في كيفية إنتاجه دون أن يدمر البيئة. وتقول مديرة برنامج الأغذية المستدامة في الأمم المتحدة:

"القضية لم تعد مجرد زيادة الإنتاج، بل ضمان استدامة هذا الإنتاج لمستقبل صالح للعيش."

فبدون خفض استهلاك لحوم الأبقار وتبني حلول تكنولوجية وغذائية مبتكرة، سيبقى قطاع الثروة الحيوانية من أكبر مهددات التوازن البيئي على الكوكب. وبين حق الإنسان في الغذاء وحق الأجيال القادمة في بيئة آمنة، يقع التحدي الحقيقي الذي يجب أن يواجهه العالم اليوم قبل الغد.