تغير المناخ يهدد الإنتاج الحيواني عالميًا

يشهد قطاع الإنتاج الحيواني تحولاً استثنائيًا من مجرد نشاط زراعي تقليدي إلى عنصر فاعل في تحقيق الأمن الغذائي، والاستدامة البيئية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. هذا ما أكده الدكتور عبدالمنعم صدقي، أستاذ بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني بمركز البحوث الزراعية، في تصريحاته التي سلط فيها الضوء على أهمية هذا القطاع المحوري وتحدياته المستقبلية.
إنتاج الحيوان لم يعد كما كان.. بل أصبح محوراً لأمن الكوكب!
لم يعد الإنتاج الحيواني مقتصرًا على توفير اللحوم والألبان والبيض، بل أصبح يمثل رأس حربة في معركة العالم ضد الجوع وتغير المناخ والأمراض. فمع الزيادة السكانية المتصاعدة والطلب المتنامي على المنتجات الحيوانية، يواجه هذا القطاع ضغوطًا هائلة، ولكنه في المقابل، يفتح الباب أمام ابتكارات تقنية وعلمية قادرة على إعادة تشكيل ملامحه بشكل جذري.
التغير المناخي... العدو الأول للإنتاج الحيواني
من أبرز التحديات التي تهدد مستقبل الإنتاج الحيواني، التغير المناخي، حيث ترتفع درجات الحرارة وتزداد موجات الجفاف، مما يؤدي إلى تدهور المراعي ونقص الموارد الطبيعية. في المقابل، تلعب المجترات دورًا مزدوجًا؛ فهي تسهم في انبعاث غاز الميثان ولكنها أيضًا مفتاح رئيسي لتقنيات خفض الانبعاثات إذا ما أُحسن إدارتها.
هنا تبرز أهمية إدارة المراعي الطبيعية، وتطوير استراتيجيات مستدامة تحفظ التوازن بين الإنتاجية والحفاظ على البيئة.
خطر المضادات الحيوية يطرق أبواب الصحة العامة
أشار الدكتور صدقي إلى أن الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية في الثروة الحيوانية تسبب في نشوء سلالات من البكتيريا المقاومة للعلاج، ما يمثل تهديدًا عالميًا خطيرًا. ويؤكد أن الحل يكمن في تبني سياسات علاج بيطري رشيدة، وتعزيز الرعاية الصحية الوقائية، وتقليل الاعتماد على الأدوية التقليدية.
أزمة الغذاء وتغذية الحيوان... صراع غير متكافئ
مع تنافس الإنسان والحيوان على مصادر الحبوب الغذائية، تظهر الحاجة الماسة إلى ابتكار حلول تغذية بديلة، مثل:
الأعلاف غير التقليدية
المخلفات الزراعية المعالجة
الطحالب الدقيقة
الحشرات كمصدر بروتيني جديد
هذه البدائل لا توفر فقط حلولًا اقتصادية، بل تسهم أيضًا في تحقيق الاستدامة البيئية وتقليل الفاقد الغذائي.
الحفاظ على التنوع الوراثي... درع الأمان للمستقبل
يعد صون الموارد الوراثية الحيوانية أمرًا بالغ الأهمية لضمان مرونة الإنتاج الحيواني في مواجهة التغيرات المناخية والأوبئة. ويشير الدكتور صدقي إلى ضرورة دعم برامج الانتخاب الوراثي والتقنيات الحديثة مثل حفظ الأجنة وتجميد السائل المنوي لتأمين الأصول الوراثية للأجيال القادمة.
الرفق بالحيوان... معيار أخلاقي وسوقي
أصبح المستهلك اليوم أكثر وعيًا بمصدر الغذاء الذي يتناوله، مما جعل رفاهية الحيوان مطلبًا أخلاقيًا وتسويقيًا في آن واحد. فرفع معايير التربية من حيث:
جودة المسكن
التهوية
التغذية الصحية
التعامل الإنساني
باتت ميزة تنافسية للمنتجات الحيوانية في الأسواق العالمية.
التكنولوجيا تُحدث ثورة في مزارع العالم
دخلت الزراعة الرقمية إلى قطاع الإنتاج الحيواني بقوة، من خلال:
أجهزة استشعار
كاميرات ذكية
الذكاء الاصطناعي
وتتيح هذه التقنيات تتبع صحة الحيوان وسلوكه وإنتاجيته لحظيًا، مما يساعد في التدخل المبكر، تقليل الفاقد، وتحسين كفاءة التغذية.
الروث الحيواني أيضًا لم يعد نفاية، بل تحول إلى مصدر للطاقة والسماد العضوي، مما يفتح آفاقًا اقتصادية وبيئية واعدة.
الإنتاج الحيواني... ركيزة الاقتصاد الريفي
يلعب هذا القطاع دورًا جوهريًا في دعم الأسر الريفية، خاصة في الدول النامية، حيث يشكل مصدر دخل رئيسي. وتؤدي النساء دورًا حيويًا في تربية الحيوانات الصغيرة، مما يجعل تمكين المرأة أمرًا محوريًا في خطط تنمية هذا القطاع.
المستقبل: الزراعة المتكاملة والإنتاج منخفض الانبعاثات
يتجه العالم نحو نماذج إنتاج زراعي متكاملة، تجمع بين النبات والحيوان، لتحسين الكفاءة وتقليل الهدر. كما يجري تطوير أعلاف تقلل من انبعاثات الميثان، في خطوة هامة نحو إنتاج حيواني صديق للبيئة.
ويؤكد الدكتور صدقي على أهمية التشريعات الوطنية واستراتيجيات الدعم الفني والمالي لتحفيز التحول إلى نظم إنتاج منخفضة الانبعاثات وصديقة للبيئة.
خلاصة القول: إنتاج حيواني... أكثر استدامة، أكثر وعيًا
يقف الإنتاج الحيواني اليوم أمام مفترق طرق حاسم. فبين التحديات البيئية والصحية والاقتصادية، يتعين على العالم تبني حلول مبتكرة وفعالة توازن بين:
زيادة الإنتاجية
خفض البصمة الكربونية
تحقيق رفاهية الحيوان
حماية صحة الإنسان.