الأرض
الجمعة 12 سبتمبر 2025 مـ 04:03 مـ 19 ربيع أول 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

حلول جديدة لأزمة التربة المالحة

تملح التربة
تملح التربة

يعد تملح التربة من أكبر التحديات التي تواجه الزراعة عالميا، إذ يهدد أكثر من مليار هكتار من الأراضي الخصبة ويقلل من إنتاجية الحبوب في مناطق حيوية. ولعقود طويلة، ظل الحل التقليدي هو "غسل التربة" بكميات ضخمة من المياه العذبة، لكن هذه الطريقة مكلفة بيئيا وتسهم في استنزاف الموارد المائية ورفع ملوحة المياه الجوفية.
هذا العام، قدم باحثون صينيون من جامعة ووهان حلولا مبتكرة قد تغير قواعد اللعبة. أولها تقنية بسيطة تعتمد على غطاء أسود يوضع فوق التربة مع "شفاطات" مصنوعة من قش الأرز أو القش الزراعي. يعمل الغطاء على رفع حرارة التربة، فتتحرك المياه المالحة عبر الشفاطات وتتبخر، بينما تترسب بلورات الملح على سطحها. ويمكن إزالة هذه البلورات بسهولة وإعادة استخدام الشفاطات مرات عدة. في تجربة ميدانية بمدينة تشينجداو، تمكن الباحثون من خفض محتوى الملح في الحقول بأكثر من 90% خلال أيام معدودة.
أما التقنية الثانية فهي أكثر تطورا، وتعتمد على التحلية الشمسية غير التلامسية. إذ تقوم أجهزة خاصة بتحويل ضوء الشمس إلى أشعة تحت حمراء تدفع الأملاح خارج التربة، من دون الحاجة إلى إضافة مياه عذبة أو تصريف مياه صرف مالحة. أظهرت التجارب أن ملوحة التربة يمكن أن تنخفض من 11.04 إلى 0.95 ملجم/جرام، وهو ما يكفي لتحقيق إنبات كامل لبذور القمح. النماذج التقديرية تشير إلى أن تعميم هذه التكنولوجيا قد يرفع إنتاج القمح العالمي بأكثر من 1%، وهو رقم له وزن في ملف الأمن الغذائي.
هذه الابتكارات لا تقلل فقط من الاعتماد على المياه العذبة، بل تستفيد من المخلفات الزراعية كالقصب وقش الأرز، كما أنها صديقة للبيئة لأنها لا تنتج مياه صرف عالية الملوحة قد تضر بالتربة أو مصادر المياه المحيطة.
ماذا يعني ذلك لمصر؟
تعد مصر من أكثر الدول المعرضة لمشكلة تملح التربة، خاصة في دلتا النيل، وشمال الدلتا تحديدا، حيث يتداخل البحر مع الأراضي الزراعية ويؤدي ارتفاع منسوب المياه الجوفية المالحة إلى تدهور التربة. كما تظهر المشكلة في الأراضي الجديدة المستصلحة في الصحراء وسيناء، حيث نوعية المياه الجوفية مالحة بطبيعتها. وتشير تقارير إلى أن ملوحة التربة والمياه تكلف مصر خسائر ملحوظة في إنتاج القمح والأرز والخضروات.
وهنا يمكن النظر إلى الحلول الصينية كفرصة واعدة لمصر لعدة أسباب أولها وفرة المادة الخام حيث يمثل قش الأرز أزمة بيئية كل عام بسبب الحرق المكثف ويمكن أن يتحول إلى مادة أولية لصناعة الشفاطات.
أما السبب الثاني فهو المناخ الملائم حيث أن معدلات الإشعاع الشمسي العالية في مصر، خصوصا في الأراضي الجديدة والصحراوية، تجعل من أجهزة التحلية الشمسية غير التلامسية خيارا مثاليا.
والثالث هو ترشيد المياه حيث تعاني مصر من ندرة المياه ولذلك فإن أي تقنية تقلل من استهلاك المياه العذبة تعتبر مكسبا استراتيجيا، أما السب الرابع فيكمن في المردود الاقتصادي حيث نجاح هذه الحلول يمكن أن يحافظ على إنتاجية محاصيل استراتيجية مثل القمح، ما يخفف الضغط على فاتورة الاستيراد ويعزز الأمن الغذائي.
ولكن يبقى تطبيق هذه النماذج في مصر دون تحديات أمرا صعبا، حيث يتطلب تجارب ميدانية للتأكد من ملاءمة المواد والظروف المناخية، إضافة إلى دراسة اقتصادية دقيقة لتكلفة الإنتاج على نطاق واسع. كما أن التخلص من كميات الملح المجمعة بعد المعالجة يحتاج إلى نظام واضح، حتى لا تتحول المشكلة من التربة إلى مصادر المياه أو الهواء.
يمكن القول أن إدماج مثل هذه الابتكارات ضمن برامج مركز بحوث الصحراء أو مركز البحوث الزراعية إلى جانب الشراكات مع الجامعات الصينية يمكن أن يفتح بابا أمام نقلة نوعية في إدارة مشكلة التملح في مصر. فبدلا من أن يكون تملح التربة عقبة مزمنة أمام الاستصلاح الزراعي، قد يتحول إلى ملف قابل للسيطرة بحلول عملية ومنخفضة التكلفة.