لماذا تعد شجرة الصمغ العربي مستقبل الزراعة الذكية؟

تنمو في أعماق البيئة الجافة وشبه القاحلة في إفريقيا والجزيرة العربية شجرة غامضة يجهل كثيرون قيمتها الحقيقية، رغم أن منتجاتها تدخل في حياتنا اليومية دون أن ننتبه.
تُعرف هذه الشجرة باسم الصمغ العربي، أو علميًا بـ أشجار الأكاسيا السنغالية، ولا تقتصر أهميتها على الاستخدامات الصناعية والغذائية، بل تُشكل محورًا اقتصاديًا حيويًا في دول مثل السودان.
شجرة المقاومة والفائدة
تُعرف شجرة الصمغ العربي بقدرتها الفائقة على التكيف مع البيئات القاسية، فهي تتحمل الجفاف الشديد، وارتفاع درجات الحرارة، وملوحة التربة، مما يجعلها مثالية للزراعة في المناطق الصحراوية أو المتدهورة بيئيًا. تبدأ هذه الشجرة بإنتاج الصمغ بعد نحو أربع سنوات من زراعتها، وتعيش حتى 30 عامًا، مما يجعلها استثمارًا طويل الأمد ذا عائد بيئي واقتصادي في آنٍ واحد.
وصف نباتي دقيق
وتنتمي الشجرة إلى العائلة البقولية، وهي شوكية دائمة الخضرة، ترتفع حتى 15 مترًا. أوراقها مركبة ريشية، وأزهارها صفراء زاهية تظهر في مواسم الربيع والصيف، بينما تُثمر قرونًا تحتوي على بذور مفصولة بتجاويف واضحة. وتُفرز الصمغ تلقائيًا من الساق، أو نتيجة للجروح المتعمدة التي تُحدثها الأيادي الخبيرة عند موسم الحصاد.
السودان.. القلب النابض لإنتاج الصمغ العربي
وفقًا للدكتور ربيع مصطفى، أستاذ النباتات الطبية والعطرية بمعهد بحوث البساتين، مركز البحوث الزراعية، فإن السودان لا يزال يتصدر العالم في إنتاج الصمغ العربي رغم التراجع النسبي في حصته من 80% سابقًا إلى نحو 50% اليوم. ويعتمد مئات الآلاف من السودانيين على تجارة الصمغ كمصدر أساسي للدخل، وسط رقابة حكومية مشددة.
الصمغ العربي.. ماذا يُميّزه؟
يُستخرج الصمغ من نوعين رئيسيين هما:
الهشاب (Acacia senegal)
السنط النيلي (Vachellia nilotica)
ويتميّز الصمغ بلونه المتدرج بين الأبيض والذهبي والبني، عديم الرائحة، لكنه يتمتع بقدرة لاصقة عالية ويذوب في الماء البارد بشكل بطيء. أما تركيبته الكيميائية، فهي مزيج من البروتينات السكرية والسكريات المتعددة، أبرزها الأرابينوز والريبوز، مما يجعله مادة مثالية لصناعات عدة.
استخدامات متعددة تفوق التوقعات
الصمغ العربي يدخل في عدد مذهل من الاستخدامات، منها:
القطاع الغذائي: كمثبت ومستحلب طبيعي في الصناعات الغذائية.
الدواء: مكون في الأقراص الطبية والمعلقات، ومساعد في امتصاص المواد غير الذائبة.
التجميل: يدخل في تركيب مستحضرات العناية بالبشرة والشعر.
الصناعة: يستخدم في صناعة الألوان، الأحبار، الطلاء، المواد اللاصقة، وحتى الورق.
الطب البديل: يُستعمل لعلاج أمراض الحلق، تشقق القدمين، وتقوية القلب من خلال خفض الكوليسترول.
الزراعة: أوراقه وقرونه تُستخدم كعلف، خاصة للإبل والماعز، كما تُزرع كمصدات للرياح.
تمييز ضروري: الصمغ العربي ليس لبان الذكر
رغم التشابه الظاهري في الاستخدامات، إلا أن الصمغ العربي يختلف كليًا عن لبان الذكر (الكندر). الأول يُستخرج من أشجار الأكاسيا، بينما يُستخرج الثاني من شجرة اللبان، ولكلٍ خواص واستخدامات متميزة.
مشروع قومي على ضفاف السد العالي
طرح الدكتور مصطفى رؤية طموحة لتوسيع زراعة الصمغ العربي على ضفاف بحيرة السد العالي، معتبرًا المشروع ثروة قومية قادرة على منافسة صادرات مصر الزراعية التقليدية، دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة أو أبحاث معقدة.
محاذير يجب مراعاتها
رغم فوائده الصحية، إلا أن تناول الصمغ العربي بكميات كبيرة قد يُسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي كالإسهال والانتفاخ، وقد يتداخل مع امتصاص بعض الأدوية. لذا يُنصح المرضى، خصوصًا مرضى السكري والربو، والنساء الحوامل، باستشارة الطبيب قبل الاستخدام.