30 فدانًا من التراث المصري تروي حكاية الزراعة

تكشف ملامح حضارة ارتبطت بالأرض والنيل. هكذا يبدو المتحف الزراعي المصري بعد إعادة افتتاحه أمام الجمهور، عقب سنوات من أعمال التطوير التي أعادت إليه الحياة، وجعلت منه أحد أهم معالم التراث الزراعي والثقافي في الوطن العربي.
يمتد المتحف على مساحة شاسعة تبلغ نحو 30 فدانًا، موزعة على 8 مبانٍ رئيسية، تضم آلاف القطع والمجسمات والوثائق والتماثيل التي توثق تاريخ الزراعة في مصر، منذ العصر الفرعوني وحتى العصر الحديث.
افتتاح بعد تطوير شامل بدعم من اليونسكو
أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية مؤخرًا عن التشغيل التجريبي للمتحف بعد الانتهاء من مشروع تطوير شامل، نُفّذ بالتعاون مع عدة جهات محلية ودولية، من بينها منظمة اليونسكو. ووفقًا لتصريحات وزير الزراعة المصري علاء فاروق، فإن المشروع يأتي في إطار استراتيجية وطنية لإحياء التراث الزراعي وتعزيز الثقافة الزراعية لدى الأجيال الجديدة.
شمل التطوير ترميم المباني التاريخية، وتحديث طرق العرض، وتوفير تقنيات عرض حديثة تمزج بين الفن والتاريخ والتكنولوجيا، لتقديم تجربة متحفية فريدة ومبهرة.
متحف المقتنيات التراثية.. القصر الذي يسرد حكايات الأرض
تبدأ رحلة الزوار من متحف المقتنيات التراثية، وهو أول محطات الجولة، ويقع داخل قصر الأميرة فاطمة إسماعيل، ابنة الخديوي إسماعيل. يتميز القصر بجماله المعماري الكلاسيكي، ويضم مقتنيات تعود للقرن التاسع عشر، بينها سجاد نادر وأثاث أثري وقطع فنية مهداة من كبار الفنانين المصريين منذ تأسيس المتحف عام 1930.
تتزين القاعات بتماثيل واقعية تحمل طابع الحياة الزراعية، من بينها تمثال لطفلتين قرويتين من الطين المحروق للفنان الراحل حسن حشمت، وتمثال "حاملة الماء" للنحّات العالمي محمود مختار، وتمثال لفلاح يحمل فأسًا وآخر لفلاحة تحمل جرة، تجسد ملامح الحياة الريفية بدقة وجمال.
متحف المجموعات العلمية.. الحياة الزراعية في مشاهد صامتة
يشكل متحف المجموعات العلمية أحد أبرز مباني المتحف، حيث يجذب الزوار بمشاهده المجسمة التي تحاكي تفاصيل الحياة الزراعية والريفية المصرية، بما في ذلك مشاهد لحرفيين يصنعون السلال والفخار، ومقاهي قديمة كانت ملتقى لأهالي الريف.
يعرض المتحف أيضًا تاريخ الأوبئة الزراعية التي أصابت الإنسان والحيوان والنبات، ويمثل نقطة تواصل بصرية وعلمية بين الماضي والحاضر. وتتضمن القاعات عروضًا لأنواع متعددة من الكائنات الحية، بينها طيور وزواحف وسلالات منقرضة، إلى جانب مجسمات نباتية توضح تطور الزراعة المصرية عبر العصور المختلفة، من العصر الفرعوني إلى الإسلامي.
خرائط تاريخية وآلات زراعية عمرها آلاف السنين
من أبرز معروضات المتحف، خرائط نادرة توضح انتشار محاصيل مثل القمح، القطن، والشعير عبر العصور، إلى جانب وثائق تاريخية ترتبط بفترات فاصلة في تاريخ مصر الزراعي، مثل فرمانات محمد علي وقوانين الإصلاح الزراعي في عهد جمال عبد الناصر.
وتُعرض أيضًا نماذج لآلات زراعية أثرية، من بينها آلة طحن الحبوب المعروفة باسم "المجرش"، والتي يعود تاريخها إلى آلاف السنين.
حدائق المتحف.. محاكاة حية لطبيعة مصر الزراعية
لا تكتمل الزيارة دون التجول بين الحدائق الفسيحة التي تحتضنها أرض المتحف، والمصممة على الطراز الفرعوني. تضم هذه الحدائق نباتات نادرة وأشجارًا معمرة، تتخللها تماثيل وأعمال فنية تجسد العلاقة الأبدية بين الإنسان والأرض، في لوحة بصرية أخاذة.
ختامًا... متحف لا يُختصر بزيارة
إعادة افتتاح المتحف الزراعي المصري تمثل إعادة إحياء لذاكرة مصر الزراعية، وتذكيرًا بقيمة الأرض والريف في تشكيل هوية الوطن. إنه ليس فقط متحفًا، بل مدرسة مفتوحة، وجسر بين الأجيال، ومرآة تعكس عمق العلاقة بين المصريين وأرضهم، منذ فجر التاريخ وحتى الآن.




