«عروش البنجر».. كنز مهدر يتحول إلى ذهب أخضر لتغذية الماشية

قال الدكتور محمود عتمان رئيس بحوث متفرغ , معهد بحوث الإرشاد الزراعي، بمركز البحوث الزراعية، إنه مع نهاية كل موسم حصاد لبنجر السكر، تتكدس كميات ضخمة من المخلفات الزراعية، وتحديدًا "عروش البنجر"، التي كثيرًا ما كانت تُترك مهملة أو تُستخدم بشكل غير مدروس. لكن في السنوات الأخيرة، تغيّرت النظرة تجاه هذه المخلفات لتتحول من عبء زراعي إلى مورد غذائي ثمين يسهم في دعم الإنتاج الحيواني وتقليل تكاليف الأعلاف.
سلعة لا غنى عنها.. وفائدة مزدوجة
أوضح الدكتور محمود عتمان، الخبير الزراعي، أن بنجر السكر لا يقتصر فقط على إنتاج سلعة استراتيجية تمس حياة كل مواطن – وهي السكر – بل يمتد أثره ليشمل قطاعًا آخر لا يقل أهمية، وهو تغذية الماشية.
فبجانب الجذور الغنية التي تدخل في صناعة السكر، تتمتع عروش البنجر (الأوراق والسيقان) بقيمة غذائية عالية يمكن استغلالها في تحضير السيلاج، أحد البدائل المهمة للأعلاف التقليدية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأعلاف الجافة. هذا التوجه لا يساهم فقط في خفض تكلفة الإنتاج الحيواني، بل يدعم أيضًا زيادة إنتاج اللحوم والألبان محليًا.
من العرش إلى العلف.. خطوات دقيقة لصناعة السيلاج
واستعرض الدكتور عتمان مراحل إعداد السيلاج من عروش البنجر، موضحًا أن العملية تبدأ مباشرة بعد فصل العروش عن الجذور. حيث تُترك العروش لتجف جزئيًا لمدة 24 إلى 48 ساعة بهدف تقليل نسبة الرطوبة.
ثم تُقطّع إلى أجزاء صغيرة وتُخلط بمكونات جافة مثل تِبن القمح أو الفول أو حطب الذرة، لرفع مستوى المادة الجافة وتقليل العصارة. تُرصّ الطبقات داخل المكمورة بإحكام، وتُغطى بغطاء بلاستيكي، ثم بطبقة من التراب تُضغط جيدًا لعزل الهواء تمامًا.
بعد مرور 21 يومًا من التخزين، يُفتح جزء من الكومة لاختبار جودة السيلاج قبل استخدامه كعلف.
التغذية.. بذكاء وتدرج
وحول طريقة استخدام السيلاج، أشار عتمان إلى ضرورة التعامل مع الكومة بحذر؛ إذ تُفتح فتحة صغيرة يوميًا، تُؤخذ منها الكمية المطلوبة ثم تُغلق بإحكام بعد الاستخدام.
وأوضح أن الأبقار الحلابة يمكن أن تتغذى على 5 كجم من العروش الجافة أو 10 كجم من السيلاج يوميًا، مع استمرار حصولها على العلف المركز لتلبية احتياجاتها الغذائية. بينما شدد على ضرورة تجنّب تقديم السيلاج للعجول الرضيعة.
احتياطات لا بد منها
أبرز عتمان بعض الإرشادات المهمة التي تضمن سلامة السيلاج وجودته، منها:
التأكد من جفاف العروش جزئيًا لتقليل الرطوبة.
خلو الأوراق من التعفن أو الفطريات.
تقطيع العروش إلى أجزاء صغيرة لتحسين التفاعل أثناء التخزين.
اتباع التدرج في تغذية الماشية لتفادي الاضطرابات الهضمية.
المستقبل.. حيث لا مكان للهدر
وتابع أنه في ظل التحديات الاقتصادية والبيئية، تبرز أهمية استغلال كل مورد زراعي ممكن، ومن بينها عروش البنجر، التي تتحول من "نفايات زراعية" إلى عناصر إنتاج حيواني تعزز من أمننا الغذائي وتقلل الاعتماد على الأعلاف المستوردة. حيث أن المستقبل يشير بوضوح إلى أن التحول الذكي في الزراعة لم يعد خيارًا، بل ضرورة. ومن قلب الحقول المصرية، تتجدد الرؤية: كل ما تطرحه الأرض يحمل قيمة، فقط علينا أن نُحسن استثماره.