التسمين الاصطناعي يثير الجدل.. تعرف على التفاصيل

شكّلت عملية اختيار العجول للتسمين الخطوة الأولى والحاسمة في مسار إنتاج اللحوم الحمراء، وهو ما أدركه المربون منذ عقود. ففي مزارع الأمس، اعتمدت المعايير على الخبرة الفطرية للراعي، بينما اليوم، باتت هذه العملية تستند إلى معايير علمية دقيقة تسعى لضمان أعلى كفاءة إنتاجية وجودة صحية للحوم، في وقت يتجه فيه العالم نحو تطوير أساليب مستدامة وآمنة لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء.
الاختيار الذكي للعجول... أساس مشروع ناجح
أجمع المختصون أن نجاح مشروع تسمين العجول يبدأ من لحظة الشراء، إذ يُوصى باختيار عجول موحدة في اللون والحجم، ذات بنية جسمية قوية وسيقان قصيرة، لما تتميز به من كفاءة عالية في تحويل الأعلاف إلى لحم. ولا تقل الصفات الظاهرية أهمية، مثل ملمس الجلد الناعم، وكثافة الشعر، وتناسق شكل الرأس، فهي مؤشرات واضحة على الصحة العامة للعجل وقدرته على مقاومة الأمراض، مما ينعكس على جودة اللحوم لاحقًا.
تغذية متدرجة حسب مراحل النمو
التغذية المثالية للعجول لم تكن يومًا واحدة في كل مراحل النمو، بل تختلف باختلاف العمر والاحتياجات الجسدية. فالعجول في مراحلها الأولى تحتاج إلى نظام غذائي غني بالبروتين بنسبة تصل إلى 18%، لدعم بناء العضلات وتسريع وتيرة النمو. ومع بلوغها عمر 6 إلى 8 أشهر، تنخفض النسبة إلى 14% تدريجيًا مع استعدادها للفطام.
أما في المراحل المتقدمة، فتتحول التغذية إلى اعتماد أكبر على المراعي الطبيعية، خاصة للعجول التي تُربى بطريقة عضوية، فيما يُمنح الثيران جرعات غذائية مكثفة في موسم التزاوج لضمان أداء تناسلي فعال وتحقيق إنتاجية مرتفعة.
التسمين الاصطناعي... نتائج سريعة تثير الجدل
في السنوات الأخيرة، لجأ عدد من المربين إلى ما يُعرف بـ التسمين الاصطناعي، وهي طريقة تعتمد على حقن العجول بهرمونات مثل الإستروجين والتستوستيرون والبروجسترون، بهدف تسريع معدلات النمو وزيادة الكتلة العضلية في فترة قصيرة.
ورغم تحقيقها لمردود اقتصادي مرتفع بفضل تسريع دورة الإنتاج، إلا أن هذه الوسائل أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط البيطرية والصحية، نظراً لما قد تحمله من مخاطر صحية على المستهلك، إلى جانب التأثيرات المحتملة على جودة اللحوم وطبيعتها البيولوجية. وهو ما دفع المختصين إلى المطالبة برقابة مشددة وتطبيق صارم للمعايير الدولية في هذا المجال، لضمان سلامة الغذاء وثقة السوق.
توازن مطلوب لتحقيق الأمن الغذائي
في ظل النمو المتسارع للطلب على اللحوم الحمراء محليًا وعالميًا، تبرز الحاجة المُلِحّة إلى تطوير مشروعات التسمين، سواء بالطرق التقليدية التي تعتمد على المراعي والأعلاف الطبيعية، أو من خلال الوسائل الحديثة القائمة على التكنولوجيا.
ويرى الخبراء أن التوازن بين الجودة والربحية وسلامة المستهلك هو التحدي الأكبر في هذا القطاع. فبينما تسعى المشاريع إلى تعظيم الأرباح، فإن الحفاظ على صحة الإنسان والحيوان يظل المعيار الأهم لاستدامة هذه الصناعة.
نحو مستقبل آمن ومستدام لإنتاج اللحوم
التوجهات المستقبلية باتت أكثر وضوحًا، مع تنامي الدعوات لتبني نظم إنتاج ذكية، تدمج بين التقنيات البيطرية الحديثة والخبرة التقليدية للمربين، في إطار من الممارسات الزراعية السليمة والرقابة المستمرة. فالعبرة لم تعد بالسرعة وحدها، بل بالجودة، والاستدامة، وثقة المستهلك.
ومن هنا، يُصبح مشروع تسمين العجول أكثر من مجرد استثمار زراعي، بل جزءًا من معادلة الأمن الغذائي الوطني، ومحورًا حيويًا في دعم الاقتصاد المحلي وتوفير منتج صحي وآمن للمائدة.