الأرض
السبت 5 يوليو 2025 مـ 11:51 مـ 9 محرّم 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

كيف غيّر اللبن المكثف خريطة الصناعات الغذائية؟

منتج لبني يجمع بين التركيز العالي والجودة الممتدة، صناعة اللبن المكثف لا تزال حتى اليوم أحد أبرز الإنجازات في مجال تصنيع الألبان، بقيمتها الغذائية وقدرتها على مقاومة الفساد واحتياجات الحفظ الحديثة.

أوضحت الدكتورة أمل إبراهيم الدرديري، رئيس قسم بحوث كيمياء الألبان بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني التابع لمركز البحوث الزراعية، أن اللبن المكثف هو ناتج مركّز للبن الطازج يتم إنتاجه عبر تبخير نسبة من الماء تحت تفريغ، بحيث يصل التركيز إلى ما يعادل 2.15 إلى 2.55 جزء لبن سائل مقابل جزء واحد من اللبن المكثف.

صناعات متعددة بمنتج واحد

وأشارت الدكتورة أمل إلى أن هذا المنتج يُسوَّق في شكلين رئيسيين: عبوات صغيرة محكمة الغلق للاستخدام المنزلي، وأخرى كبيرة موجّهة للاستخدام في الصناعات الغذائية، لافتة إلى أن اللبن المكثف لا يمكن أن يُحفظ لفترات طويلة بمجرد إزالة الماء فقط، بل يتطلب عمليات معالجة دقيقة لتعقيمه أو حفظه بالسكر، وفقًا لنوع المنتج النهائي.

نوعان رئيسيان يحددان طريقة الحفظ

وأكدت أن هناك طريقتين رئيسيتين لضمان حفظ اللبن المكثف:
1. التعقيم الحراري بعد التعبئة، حيث يُعرض المنتج لدرجات حرارة عالية تصل إلى 118 درجة مئوية لمدة 15 دقيقة أو 115 درجة مئوية لمدة 20 دقيقة، مما يقتل الميكروبات ويزيد لزوجة المنتج، ويُعرف باللبن المبخر أو المكثف غير المُحلّى.
2. إضافة السكر بنسبة لا تقل عن 42% أثناء عملية التصنيع، مما يخلق وسطًا أسموزيًا ويمنع نشاط الميكروبات، ويُطلق على الناتج اللبن المكثف المُحلّى.

مميزات وبدائل مبتكرة في الصناعة
ولفتت إلى أن اللبن المكثف يُنتج أحيانًا بعد تعديل تركيبه، سواء باستخدام اللبن الكامل أو المنزوع الدسم جزئيًا أو كليًا.

كما تطورت الصناعة لتشمل أنواعًا أخرى مثل اللبن الفرز المركز، واللبن الخض المركز، واللبن المخمر المكثف، إلى جانب الشرش المركز، مما يفتح الباب أمام استخدامات صناعية وغذائية أوسع.

وعن العبوات التجارية، أشارت إلى أن الملصقات المرفقة توضّح كمية اللبن الخام التي خضعت لعملية التكثيف، إلى جانب النسبة التي يجب إضافتها من الماء لإعادة تكوينه، بالإضافة إلى نسبة الدهن في المنتج الأصلي.

من المطبخ الفرنسي إلى المصانع العالمية

وحول الجانب التاريخي، أعادت الباحثة إلى الأذهان أن اللبن المكثف ليس اختراعًا حديثًا، بل تعود جذوره إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين طوّر العالِم الفرنسي نيكولا أبير طريقة لحفظ اللبن عبر تركيزه في أوعية مغلقة بالحرارة عام 1796م. ورغم أن هذه الطريقة كانت فعالة نسبيًا، إلا أن المنتج كان يعاني من طعم مطبوخ وفقدان كبير في الفيتامينات.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، قام الأمريكي جيل بوردن، الملقب بـ"أب عملية تكثيف اللبن"، بتطوير هذا المفهوم حتى أنشأ أول مصنع للبن المكثف تحت تفريغ عام 1856م، ما فتح الطريق أمام انطلاق هذه الصناعة عالميًا.

دوافع التصنيع ومزاياه الاستراتيجية

وذكرت أن صناعة اللبن المكثف جاءت لتلبي احتياجات عدة، من أبرزها:
الاستغناء عن التبريد كوسيلة للحفظ.
تقليل الوزن والحجم أثناء النقل والتخزين.
القضاء على الميكروبات ورفع جودة المنتج.
تنظيم تسويق اللبن في أوقات ذروة الإنتاج وتخزينه للفترات التي يقل فيها العرض.

استخدامات غذائية متنوعة

وفيما يتعلق بالاستخدامات، قالت إن اللبن المكثف غير المُحلّى يُستخدم في إعداد الفطائر، الحلويات، المثلجات، وكذلك في تغذية الأطفال بفضل خلوّه شبه التام من الميكروبات. أما اللبن المُحلّى فيُستخدم في الأغراض نفسها باستثناء تغذية الرُضع، بسبب ارتفاع نسبة السكر وعدم خضوعه لعملية تعقيم حراري.

مواصفات قياسية صارمة

وأشارت إلى ضرورة الالتزام بالمواصفات الفنية للمنتج، حيث يجب ألا تقل نسبة الجوامد اللبنية في اللبن المُحلّى عن 30%، وألا تقل نسبة الدهن عن 8.5%، وأن يحتفظ بلونه القشدي الفاتح ونكهته النظيفة وقوامه المتجانس. كما يجب أن يكون خاليًا تمامًا من الكتل، الفطريات، الخمائر، والبكتيريا
المرضية.
أما في حالة اللبن المبخر، فتُحدَّد المعايير بألا تقل نسبة الدهن عن 7.9%، والجوامد اللبنية الكلية عن 25.9%، وهو ما يجعله خيارًا مثاليًا للصناعات والمستهلكين الباحثين عن جودة مستقرة وعمر تخزيني طويل.

موضوعات متعلقة