الخميس 25 أبريل 2024 مـ 12:37 مـ 16 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

التفاوض بالقانون بديل حضاري لمأزق سد النهضة

فى ظل تعنت حبشى و قلق مصرى سودانى تشتد هذه الايام التجاذبات والتقاطعات و التشابكات حول مصير مياه النيل. ولكن يتوجب علينا فى البداية ان نؤكد على مجموعة من الحقائق و الثوابت اذا ما ادركناها جيدا فاننا سنصل الى قناعات هامة وهذه الحقائق هى معدل التبعية المائية المصرى 98% اما السودانى فتتخطى حاجز 80% وحصة مصر من مياه النيل 55,5 مليار متر مكعب و فى السودان 18,5 مليار متر مكعب و هذا يضع الدولتين حالياً تحت خط الفقر المائى.

فى ظل زيادة سكانية مضطردة تواكبها زيادة مضطرة فى الطلب على الغذاء و هذا بدوره يتطلب موارد مائية اضافية للتوسع فى الزراعة لتحقيق الامن الغذائى, ووسط كل هذا تبرز لنا معضلة سد النهضة الاثيوبى كمشكلة كبرى. و اضافة لما سبق يمكن ان نقول خلال الايام القلية الماضية جهات رسمية رفيعة المستوى فى الدول الثلاث كانت مواقفها من هذه القضية على النحو التالى:
مصر الرسمية تعرب عن قلها ازاء التطورات الاخيرة المرتبطة بسد النهضة و تسعى الى اتفاق عادل ومتوازن خلال مفاوضات سد النهضة , تلك المفاوضات لم تفض للاتفاق المنشود واثيوبيا تسعى لفرض الامر الواقع و تتخذ اجراءات احادية دون مراعاة مصالح دولتى المصب , كما ان اعلان اثيوبيا عن الملء الثانى لسد النهضة يخالف الالتزامات و الاتفاقيات الدولية و هو يهدد باضرار جسيمة لمصالح كلا من مصر و السودان.

اما السودان رسمياً فترى أن نهج التفاوض الحالى أدى إلى عدم الوصول إلى اتفاق قانونى ملزم بين الأطراف الثلاثة خلال فترة التفاوض الماضية و ان تعنت الجانب الحبشى سيكون له تداعات غير مقبولة.

رسميا، أكدت الحبشة أنها ماضية في عملية الملء الثاني لـبحيرة السد سواء تم اتفاق مع القاهرة والخرطوم أو لم يتم. ولن تمدد الفترة لأي سبب و فى ذات الوقت تعلن عن انها ترفض الاحتكام الى الرباعية الدولية.

معنى كل ما سبق ان اثوبيا ماضية الى مبتغاها دون النظر الى ما يصدر من مصر و السودان من مناشدات, و هذا معناه اهدار حقوق تاريخية ثابتة لمصر و السودان فى مياه النيل بموجب معاهدات دولية, اضف الى ذلك ان السد فى الاساس مقام على ارض تاريخياً تعود ملكيتها لمصر تنازلت عنها للحبشة مقابل عدم اقامة اى منشأت على مجرى روافد نهر النيل فى الاراضى الحبشية تعيق وصول المياه الى مصر و السودان او تقلل منها.

ماذا نفعل؟؟؟؟؟
سؤال يتردد كثيرا هذه الايام,, الاجابة نتفاوض و نتفاوض ثم نتفاوض و نطلب وسطاء حتى اذا و صلنا الى طريق مسدود مع التعنت الحبشى فنعود الى مصر و السودان,,,,ثم ماذا ؟ ...عندها كل الخيارات مفتوحة. أى نعم كلها جميعها مفتوحة فهى مسألة أمن قومى وخطوط حمراء لا يجب السماح بتجاوزها.

فى الجانب الشرقى لمعبد حورس بادفو يقع مقياس النيل وفى عهد البطالمة كان يتم تحديد الضرائب طبقاً لمنسوب مياه الفيضان و لذا اهتموا بهذا العمل الهندسى ووضعوه فى عدة اماكن من القطر المصرى, فى هذا المقياس اقصد مقياس معبد حورس بادفو حيث تهبط على سلم يقودك الى منسوب تحت ارضية المعبد التليد , فيتجه السلم شمالا عدة درجات ثم ينحنى ناحية الشرق فتجد امامك نفقا ضخما به مياه و قد نحتت على الجدار درجات المقياس و على جانبيه عدة جداريات اخرى نقش على احداها و صية الفرعون الخالدة و التى تقول اذا انخفض منسوب النهر فليهرع كل جنود الفرعون و لا يعودون الا بعد تحرير النيل مما يقيد جريانه,, هكذا أمر الفرعون واضح جلى لا لبس فيه.

وهنا أعود فأقول اننا نمر بفترة دقيقة من تاريخ الامة النيلية اى مصر و السودان تحتاج الى التخندق و التكاتف والتوحد و التآذر مع دولتينا و حكومتينا من اجل نيلنا من اجل مستقبل ابنائنا واحفادنا وعلينا ان ننحى جانباً ما نتباين فيه، فالامر اشد من ترف الاختلاف, و التشرزم على أمور أقل أهمية و خطورة من مواجهة الجفاف و التصحر و العطش و الجوع , و على الاشقاء العرب عدم التوقف عند عبارات الدعم و المساندة والمشاطرة والقلق بل نحتاج الى عمل جاد وحاد، يُتَرجم الى موقف فارق واضح جلى.

نعلم علم اليقين ان دولاً عربية عدة لها استثمارات فى الحبشة بل وفى السد ذاته ,آن الاوان ان يعودوا الى رشدهم و ليعلموا ان تضرر الكبيرة مصر سوف يكون بلاءاً عليهم جميعاً, ما يقع عليهم الآن هو التهديد الجدىبسحب استثماراتهم و الضغط على الاحباش من اجل اخضاعهم و ارضاخهم واقرارهم بحقوقنا التاريخية والتسليم لنا بها هذا هو واجب، فهل سيؤدون الواجب؟ عليهم ان يقوموا به و لا يدعوننا لتنفيذ وصية الفرعون بما لها من تبعات قد لا تتحملها المنطقة.

الموقف الحبشى يضع دولتى المصب أمام خيارين؛ إما التوقيع على وثيقة تجعل لإثيوبيا كل شىء و تحقق حلما قديماً بتدشين بنك المياه، و عندها ستبيع لنا حقوقنا التاريخية ، وإما أن نصبح في مواجهة ملء سد النهضة كأمر واقع.

أتصور ان مصر و السودان ستتركان الخيارين معاً و لن تلتلفتا اليهما وستمضيان معاً لتنفيذ وصية الفرعون بما لها من تبعات قد لا تتحملها المنطقة.

ورغم كل ما سبق، اعود فأقول ان حل أزمة سد النهضة يجب ان يكون تفاوضياً طبقاً لمبادىء واحكام القانون الدولى وعلاقات حسن الجوار و التعاون الاقليمى و ان يكون الكل مستفيدا. إلا ان مسألة هذا أوذاك التى يريد فرضها الاحباش ومن ورائهم لن تقدم حلاً، كما أن التعنت الحبشى والإعلان عن العزم البدء في ملء السد في يوليو المقبل يضع العصا فى الدواليب و يجعل المصرين و السودانين يمضيان الى تنفيذ وصية الفرعون بما لها من تبعات قد لا تتحملها المنطقة.

وفى النهاية، اود القول ان مياه الامطار التى تسقط على الهضبة الحبشية تساوى عشرات المرات قدر ما ينساب من مياه فى مجرى النيل الشرقى (الازرق و السوباط) أفلا نفكر فى استقطاب مزيد من فواقد المياه التى تذهب هدرا وضخها فى مجرى النهر فنزيد من حصص المياه للجميع فيكون الخير و التنمية و التعاون لكافة الشعوب النيليلة, وهذا ما أرجو من الله أن نصل اليه، بديلاً عن تنفيذ وصية الفرعون.

* أستاذ بمركز البحوث الزراعية
* عضو مجموعة مستقبل الزراعة العربية