الأرض
الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 مـ 12:08 صـ 29 ربيع أول 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

الإبل كنز بيئي واقتصادي في مواجهة التغيرات المناخية

تربية الإبل
تربية الإبل

أكد الدكتور وائل وفا، رئيس بحوث فسيولوجيا الحيوان بقسم بحوث تربية الإبل بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني، مركز البحوث الزراعية، أن الجمل العربي ذو السنام الواحد يمثّل النسبة الأكبر من الإبل الموجودة عالميًا، بنسبة تصل إلى 94% من إجمالي عدد الإبل في العالم، فيما يُشكّل الجمل البكتيري ذو السنامين، سواء المستأنس أو البري، نسبة 6% فقط. وبيّن أن الإبل، التي يُطلق على ذكرها "جمل" وعلى أنثاها "ناقة"، تنتمي إلى فصيلة الثدييات المحدبة، وتُصنَّف ضمن شعبة الحبليات وطائفة الثدييات في رتبة "شعبيات الأصابع"، وتُعد من الكائنات الحيوانية التي تمتلك تركيبة فسيولوجية فريدة.

الجمل العربي... نموذج استثنائي للتكيّف والاستدامة

تُجسّد الإبل واحدة من أعظم آيات الخالق في قدراتها الخارقة على تحمّل العطش والجوع والتأقلم مع أقسى الظروف المناخية. فوسط بيئة قاسية مليئة بالرمال والصخور ودرجات حرارة تتأرجح بين الارتفاع الحاد نهارًا والانخفاض الحاد ليلًا، تواصل هذه الكائنات ممارسة حياتها بتوازن مذهل، باحثة عن غذائها بين النباتات الشوكية، قادرة على اجتياز مئات الكيلومترات بلا كلل، في سبيل الماء والطعام.

وأوضح وفا أن الإبل لا تقتصر أهميتها على التنقل أو التحمل، بل تُعد مصدرًا متكاملًا للغذاء والكساء، فهي تُنتج اللبن لتغذية صغارها وسكان الصحراء، وتوفر اللحم والجلد بعد الذبح، وتُستخدم في النقل، وتُجسّد مثالًا حيًا للتنمية المستدامة.

رمز بدوي ومصدر فخر حضاري

عبر العصور، احتلت الإبل مكانة مرموقة في ثقافة سكان الصحاري، نظرًا لدورها الحيوي في تأمين الغذاء والتنقل وتحمل مشقات الحياة القاسية.

كما أصبحت الإبل رمزًا للمكانة الاجتماعية والثراء والقوة، ودخلت في عادات الزواج، ودية القتلى، وفداء الأسرى، وحتى الهدايا الثمينة في المجتمعات القبلية، مما يعكس عمق ارتباط الإنسان بها.

مواجهة التحديات البيئية... والإبل هي الحل

ومع التغيرات البيئية العالمية السريعة، من تصحر واحتباس حراري ونقص المياه وهبوط معدلات الأمطار وملوحة التربة.

ولفت الدكتور وفا إلى أن الإبل أصبحت ضرورة وليست ترفًا. فهي "سفينة النجاة" في زمن التغيرات المناخية، ويمكن الاعتماد عليها لتأمين البروتين الحيواني، في ظل التراجع الكبير في الموارد النباتية وزيادة التنافس الغذائي بين البشر والحيوانات.

خطط استراتيجية: قصيرة وطويلة المدى

على المدى الطويل، دعا وفا إلى تبني برامج تحسين وراثي للإبل، من خلال جمع البيانات الدقيقة عن القطعان الحالية، وانتقاء الذكور ذات الكفاءة العالية لتلقيح أفضل النوق إنتاجًا، بهدف إنتاج أجيال جديدة تتمتع بمزايا إنتاجية متقدمة في اللبن واللحم.

و شدد على أهمية دمج التكنولوجيا الحديثة في عمليات التواصل مع المربين، وتقديم الدعم الفني اللازم، وإن كان ذلك يتطلب استثمارات وجهودًا كبيرة.

وعلى المدى القصير، دعا إلى تعزيز الوارد من الإبل، خاصة من السودان، وتقديم الدعم للمربين لشرائها وتحسين حالتها الصحية باستخدام أعلاف متخصصة ومناسبة لكل موسم، ما من شأنه تحسين جودة اللحوم. كما عبّر عن أمله في أن تشمل مبادرة "إحلم" الحكومية – التي استهدفت في مرحلتها الأولى توفير 1000 رأس من العجلات المحسنة – مشاريع تربية الإبل، خصوصًا إنتاج اللحم، في مراحلها المستقبلية.

وأشار إلى أن وزارة الزراعة أصدرت بالفعل أكثر من 200 تصريح لتربية الماشية لصغار المربين، إلى جانب 50 موافقة فنية لمشروعات حيوانية بالظهير الصحراوي، وهو ما يمهد لتوسيع قاعدة التربية المستدامة.

مركز بحوث الإبل بمطروح... منارة علمية وتنموية

أوضح الدكتور وائل وفا أن معهد بحوث الإنتاج الحيواني بمركز البحوث الزراعية يضم قسمًا متخصصًا في بحوث تربية الإبل، ويقود جهودًا علمية متميزة لرفع كفاءتها التناسلية والإنتاجية، خصوصًا في الساحل الشمالي الغربي، بمحافظة مطروح. ويتبع القسم مركزًا بحثيًا هو "مركز دراسات وتنمية إنتاج الإبل"، الذي أُنشئ عام 2002 بقرار وزاري، ويضم قطيعًا من الإبل المغربي المعروف بإنتاجيته ونسبه الموثق.

وقد أسهم المركز في إعداد 8 رسائل ماجستير و9 رسائل دكتوراه، إلى جانب العديد من الأبحاث التطبيقية، وتدريب طلاب كليات الزراعة والخريجين وطلاب المدارس الزراعية، ليصبح رافدًا حقيقيًا لسوق العمل الزراعي الحديث. ويُعد المركز أيضًا وجهة مميزة للوفود الإفريقية والأوروبية والمنظمات الدولية المهتمة بتربية الحيوانات الصحراوية.

الإبل... ثروة وطنية تتطلب عناية واحتضانًا

واختتم وفا حديثه بالتأكيد على ضرورة إنقاذ الإبل من تهميش عصور ما بعد الثورة الصناعية، معتبرًا هذا الكائن كنزًا قوميًّا يجب رعايته واستثماره لتعزيز الأمن الغذائي، ورافدًا مهمًّا للتنمية في المناطق الصحراوية.