تخمير بذور القطن يغير مستقبل تغذية الأسماك

بدأ الدكتور محمد بكري، استشاري معمل الزقازيق بمعهد بحوث الصحة الحيوانية، بتسليط الضوء على أهمية الاستزراع السمكي كركيزة حيوية للاقتصاد في البلدان النامية، مشيراً إلى أنه يعد مصدراً رخيصاً وذا جودة عالية للبروتين الحيواني، إضافة إلى كونه مورداً أساسياً للفيتامينات والمعادن الضرورية للجسم.
وأشار إلى أن ارتفاع تكلفة العلف يعد العقبة الأكبر أمام تطوير صناعة الاستزراع السمكي واستدامتها، خصوصاً أن نسبة البروتين في أعلاف الأسماك، وخاصة سمك البلطي، تمثل حوالي 45% في مراحل النمو الأولى، وتتراجع تدريجياً حتى تصل إلى 25-30% في المراحل النهائية من دورة التغذية.
ويُعتبر مسحوق السمك المصدر الأمثل للبروتين نظراً لتوازنه في الأحماض الأمينية الأساسية، والدهون، والفيتامينات، والمعادن، إلا أن ارتفاع تكلفته ونقصه عالمياً يحدّان من استخدامه.
لذا، تركزت الدراسات على البحث عن بدائل أرخص وأسهل توفراً، وكان البروتين النباتي في مقدمة هذه البدائل، لا سيما وجبات البذور الزيتية مثل فول الصويا وبذور القطن، لما تتمتع به من نسب بروتين مرتفعة وقيمة غذائية جيدة. ومع ذلك، تواجه البروتينات النباتية تحديات تتعلق بعدم توازن محتواها من الأحماض الأمينية الأساسية واحتوائها على الألياف والعوامل المضادة للتغذية التي تؤثر سلباً على نمو الأسماك ووظائفها الفسيولوجية.
وتبرز وجبة بذور القطن كخيار رئيسي، إذ تُنتج كمنتج ثانوي لصناعة النسيج، وتوفر كمية كبيرة من الدقيق الغني بالبروتين. وبعد فول الصويا، تعد بذور القطن المصدر الثاني للبروتين النباتي المستخدم عالمياً في الأعلاف. لكن وجود مادة الجوسيبول، وهو مركب سام ينتج في غدد نبات القطن، يمثل التحدي الأكبر. حيث يرتبط الجوسيبول الحر بالحديد واللايسين، مما يعيق امتصاصهما ويسبب نقصاً غذائياً يؤثر على تكوين الدم، النمو، والخصوبة لدى الأسماك.
تختلف نسبة استخدام وجبة بذور القطن في أعلاف الأسماك حسب نوع السمك، ومرحلة نموه، ومستوى الجوسيبول الحر، حيث ثبت أن إدراج 15-20% من هذه الوجبة لا يؤثر سلباً على نمو أنواع مثل البلطي النيلي وتراوت قوس قزح، رغم وجود مضادات تغذية. لذلك، يتم التركيز على تقنيات خفض أو إزالة الجوسيبول لتحسين جودة هذه الوجبة كبديل لمصادر البروتين التقليدية.
من بين أهم الاستراتيجيات:
استخدام بذور قطن من أصناف "عديمة الغدد" التي تحتوي على جوسيبول أقل أو غير سام.
إضافة مكملات الحديد لتعويض النقص الناتج عن ارتباط الجوسيبول بالحديد.
تعزيز الأعلاف باللايسين لتعويض نقصه، مما يحسن معدلات تحويل الغذاء ونمو الأسماك.
اعتماد تقنية تخمير الحالة الصلبة التي تعزز النمو الميكروبي وتقلل من مضادات التغذية، مع الحفاظ أو زيادة المحتوى الغذائي.
تعد تقنية تخمير الحالة الصلبة فعالة واقتصادية، إذ تستخدم الركيزة الصلبة (وجبة بذور القطن) في ظروف هوائية لإنتاج كتلة حيوية غنية بالبروتين والإنزيمات، مع تقليل تركيز الجوسيبول بشكل ملحوظ، مما يجعل البروتين النباتي أكثر قيمة وفعالية في الأعلاف المائية.
أظهرت الدراسات قدرة وجبة بذور القطن المخمرة على الاندماج في أعلاف البلطي النيلي بنسبة تصل إلى 80% دون تأثير سلبي على النمو. كما ثبت تغذية أسماك الدنيس الأسود بوجبة بذور القطن المخمرة دون تأثيرات ضارة على أنشطة الإنزيم الهضمي والتمثيل الغذائي، مما يعكس سهولة الهضم ورضا السمك عن الأعلاف.
وقال خبراء إن بذور القطن تعتبر ثاني أهم مصدر للبروتين النباتي في أعلاف الحيوانات، لما تحتويه من نسب عالية من البروتين وقلة تكلفتها. ومع ذلك، تمثل مضادات التغذية مثل الجوسيبول تحدياً رئيسياً يؤثر على الصحة والنمو، ويمكن تخفيف تأثيرها بإضافة مكملات غذائية مناسبة وتقنيات التخمير الميكروبي التي تعزز القيمة الغذائية وتحسن الأداء الغذائي للأسماك.