وزارة الزراعة تكشف لغز تقلب أسعار الطماطم

تتصدر الطماطم قائمة الخضروات الأكثر جدلًا في الأسواق المصرية، إذ لا يكاد يمر شهر دون تقلب مفاجئ في أسعارها، ما بين ارتفاع غير مبرر وانخفاض حاد يُربك المستهلك والمزارع على حد سواء.
في ظل هذا المشهد المتكرر، كشفت الدكتورة انتصار مصطفى إسماعيل، الباحث الأول بقسم تربية الخضر في مركز البحوث الزراعية وعضو البرنامج الوطني لإنتاج تقاوي الخضر، عن الجهود العلمية والعملية المبذولة لكشف غموض هذا المحصول الحيوي، والحد من تقلباته السعرية التي أصبحت عبئًا موسميًا على الأسرة المصرية.
أصناف جديدة تتحمل الحرارة وتحسن الإنتاج
استنبط الباحثون المصريون مؤخرًا مجموعة من هجن الطماطم المحلية التي تمثل نقلة نوعية في الإنتاج الزراعي، أبرزها الأصناف:
F16 و F35: تناسب العروة الصيفية المبكرة.
E73 و 040: مثالية للعروة النيلية.
تتميز هذه الأصناف بقدرتها العالية على تحمل درجات الحرارة المرتفعة، ومقاومة الأمراض، إلى جانب جودة الثمار العالية وعمرها التخزيني الطويل، ما يجعلها أكثر ملاءمة للسوق المحلي.
كما يجري العمل حاليًا على تطوير هجن جديدة للطماطم، تناسب الزراعة في الصوب الزراعية أو الحقول المفتوحة، وتتكيف مع الظروف المناخية المتقلبة، وتوفر للمزارع مرونة في اختيار التوقيت والمكان.
فجوات العروات والتغيرات المناخية.. السبب الأول وراء تقلب الأسعار
ارتفاع أسعار الطماطم في فترات محددة من العام ليس مصادفة، بل له أسباب علمية واقتصادية واضحة. تقول د. انتصار إن هناك فترتين تشهدان عادة ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار هما:
مارس - أبريل: نهاية العروة الشتوية وبداية الصيفية.
أغسطس - سبتمبر: نهاية العروة الصيفية وبداية النيلية.
وترجع هذه القفزات السعرية إلى ما يُعرف بـ"فجوة العروات"، أي الفترات الانتقالية بين مواسم الزراعة، إضافة إلى التغيرات المناخية الحادة التي تؤثر مباشرة على الإنتاج، سواء بارتفاع مفاجئ في درجات الحرارة أو موجات من الرطوبة العالية أو الجفاف.
تأثير المناخ على إنتاجية الطماطم
الطماطم تحتاج إلى درجة حرارة مثالية تتراوح بين 15 إلى 30 درجة مئوية، وإذا تجاوزت الحرارة 35 درجة، يتعذر على الزهرة عقد الثمرة، مما يقلل الإنتاج ويؤثر على الجودة.
ولمواجهة هذا التحدي، توصي د. انتصار بـ:
تطبيق الدورة الزراعية الذكية.
تجنب زراعة نفس المحصول أو المحاصيل من نفس العائلة (كالطماطم والبطاطس والفلفل والباذنجان) في نفس الأرض لأكثر من موسم متتالٍ.
إراحة الأرض ثلاث سنوات قبل إعادة زراعة الطماطم، ما يساعد على تقليل المسببات المرضية.
تقاوي محلية عالية الجودة.. استراتيجية الدولة لمواجهة الاستيراد
منذ عام 2019، أطلقت وزارة الزراعة البرنامج الوطني لإنتاج تقاوي الخضر، بهدف تقليل الاعتماد على التقاوي المستوردة، والتي كانت تمثل نحو 95% من احتياجات السوق المحلي، ما شكل تهديدًا حقيقيًا للأمن الغذائي.
تسعى الدولة الآن إلى:
رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من التقاوي إلى 20% خلال السنوات القادمة.
إنتاج بذور محلية 100% تتناسب مع الذوق المصري والظروف البيئية.
خلق بديل وطني قوي قادر على كسر احتكار السوق وخفض الأسعار.
كيف يتم إنتاج الهجن الجديدة؟
إنتاج الهجن محليًا هو عملية طويلة ومعقدة، تستغرق بين 4 إلى 7 سنوات، تبدأ بانتخاب السلالات، ثم التهجين، يليه التقييم، وأخيرًا الإنتاج التجاري للصنف المستقر.
وقد بدأ البرنامج بالفعل بتوقيع شراكات مع شركات محلية وعالمية، إلى جانب تنظيم حقول إرشادية لعرض الهجن الجديدة أمام المزارعين، قبل تعميم زراعتها على نطاق واسع.
الطماطم المصرية.. مستقبل واعد وتوازن سوقي مرتقب
أكدت د. انتصار أن البرنامج نجح بالفعل في إنتاج أصناف محلية تتحمل الحرارة، وتقاوم الأمراض، وتضاهي المستورد من حيث الجودة، بل وتتفوق عليه من حيث السعر، ما يصب في مصلحة المزارع والمستهلك على السواء.
كما كشفت عن زيادة ملحوظة في الاعتماد على التقاوي المحلية، بدعم من وزارة الزراعة، في ظل استراتيجية طويلة الأمد لتقليل فاتورة الاستيراد وتحقيق أمن زراعي مستدام.
حلول لضبط أسعار الطماطم في مصر
لضبط الأسعار وتحقيق استقرار السوق، توصي د. انتصار بـ:
زيادة الإنتاجية من خلال تطوير أصناف جديدة عالية الجودة.
اختيار العروة المناسبة والصنف المناسب لكل منطقة.
الاعتماد على أساليب الزراعة الحديثة، والري والتسميد الذكي.
وتختم قائلة: "مستقبل الطماطم في مصر مشرق، بفضل الهجن الجديدة، وجهود الباحثين، ودعم الدولة لإنتاج تقاوي محلية متطورة، تلبي احتياجات المزارعين وتحقق التوازن المطلوب في السوق."