الزراعة.. سلاح السيادة الوطنية ومفتاح القرار السياسي
نشاهد هذه الأيام نشرات الأخبار والفيديوهات الواردة من غزة بعد اتفاق إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار في مؤتمر شرم الشيخ، الذي كان لمصر فيه دور محوري وعظيم في وقف نزيف الدم، وتجنيب المنطقة مزيدًا من المآسي.
وبينما كانت المشاهد تروي معاناة الأطفال والشيوخ تحت وطأة سياسة التجويع التي اتبعها الكيان الصهيوني، جلس ابني الصغير حسام يسألني ببراءة:
"بابا.. ليه بيجوعوا الأطفال والشيوخ في غزة؟"
سؤال بسيط في ظاهره، لكنه أعاد إلى ذاكرتي صورًا من السياسات الاستعمارية القديمة، التي طالما استخدمت سلاح الغذاء للضغط على الشعوب وتمرير القرارات السياسية لصالح الاستعمار.
وهنا تذكرت المقولة الخالدة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر:
"من لا يملك قوته.. لا يملك قراره."
الزراعة خط دفاع عن السيادة والسياسة
الزراعة ليست مجرد نشاط اقتصادي أو مصدر غذاء، بل هي خط الدفاع الأول عن القرار السياسي والسيادة الوطنية.
فمن خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي عبر الإنتاج الزراعي المحلي، تستطيع الدول تأمين احتياجاتها الأساسية، وتقليل اعتمادها على الخارج، مما يحدّ من قدرة أي طرف على ممارسة ضغوط سياسية أو اقتصادية عليها.
الزراعة والاستدامة.. حماية للموارد والأجيال القادمة
الزراعة المستدامة لا تحافظ فقط على الغذاء، بل تحمي الموارد الطبيعية والثروات للأجيال القادمة، وتعزز من قدرة الدولة على الصمود أمام التحديات البيئية والسياسية المستقبلية.
الزراعة والتنمية الاقتصادية
القطاع الزراعي هو محرك أساسي للتنمية الاقتصادية، ومصدر رئيسي لفرص العمل، وبناء المجتمعات المستقرة والقوية. فكلما ازدهرت الزراعة، زادت قدرة الدولة على مواجهة الأزمات والتحديات السياسية والاقتصادية.
الزراعة والسيادة الوطنية
إن القدرة على إنتاج الغذاء محليًا تعني امتلاك قرار وطني مستقل، فالاعتماد على الخارج في الغذاء يمثل نقطة ضعف خطيرة يمكن أن تُستغل للضغط على الدول وتغيير مواقفها السياسية.
سلاح التجويع.. جريمة حرب في غزة
ما شهدناه في قطاع غزة هو نموذج صارخ لاستخدام سلاح الغذاء كسلاح حرب. فقد حرم الكيان الغاشم سكان القطاع من الغذاء والماء، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، واستهدف البنية التحتية الزراعية، وأحرق أشجار الزيتون رمز الصمود الفلسطيني، ليدفع الأهالي إلى الاستسلام أو النزوح.
وهذه السياسات لا تُعد مجرد انتهاكات إنسانية، بل جرائم حرب وفقًا للقانون الدولي الإنساني.
الدور المصري.. قيادة حكيمة ومسؤولية تاريخية
وفي خضم هذه الأحداث، برز الدور المصري الحكيم بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تحرك في الوقت المناسب لإفشال المخططات الاستعمارية، وقيادة جهود وقف إطلاق النار ووضع خطة شاملة لإعمار غزة، لتعود الحياة تدريجيًا إلى أهلها الصامدين.
الزراعة.. هوية وسيادة
الزراعة إذًا ليست فقط وسيلة للغذاء، بل سلاح وطني يعبر عن الهوية والسيادة.
تشهد مصر اليوم نهضة زراعية حقيقية في ظل قيادة تدرك أهمية هذا القطاع، وتعي أن من يمتلك قوته يمتلك قراره.
وقد عبّر الرئيس السيسي عن هذه الحقيقة بعبارة صادقة ومعبّرة:
"العفي محدش يقدر ياكل لقمته."
وهي رسالة واضحة بأن الاعتماد على الذات هو الطريق الوحيد لحماية الوطن، وأن الزراعة هي درع السيادة المصرية في مواجهة أي محاولات للهيمنة أو الضغط الخارجي.
الوعي يبدأ من البيت
بعد حديث طويل مع ابني حسام، أدرك هو – وربما أدركنا جميعًا – أن الزراعة ليست مجرد مهنة، بل قضية أمن قومي، وأن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء هو السبيل الحقيقي لامتلاك القرار السياسي، ومواجهة سلاح الحصار الاقتصادي الذي يعدّ من أقوى أدوات الضغط في عالمنا اليوم.
*خبير وقاضٍ دولي في زيت الزيتون – عضو الجمعية العلمية للصناعات الغذائية، جامعة الإسكندرية


.jpg)























