اكتشاف فيروسات قاتلة تفتك بالماشية

كشف الدكتور صفوت كمال، أستاذ الميكروبيولوجي بمعهد بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية، أن الثروة الحيوانية شكلت أحد الأعمدة الأساسية للأمن الغذائي في مصر والعالم، ومع تصاعد التحذيرات من الأمراض البكتيرية والفيروسية التي تفتك بالماشية، تتزايد أهمية نشر الوعي البيطري والالتزام بالإجراءات الصحية الصارمة للحفاظ على صحة الحيوان وسلامة الإنسان.
من الماضي.. أمراض فتّاكة أثقلت كاهل المزارع والمربي
وقال كانت أمراض الماشية في العقود الماضية تشكل عبئًا ثقيلًا على المزارعين، حيث تسببت في خسائر فادحة أثّرت على الإنتاج الحيواني والاقتصاد الزراعي بشكل عام. من بين هذه الأمراض، برزت البروسيلا (الإجهاض المُعدي) كأحد أخطر الأمراض البكتيرية التي تصيب الأبقار والجاموس والإبل، وتؤدي إلى موجات مفاجئة من الإجهاض، خاصة في القطعان غير المحصّنة. وتكمن خطورة البروسيلا في قدرتها على الاستمرار داخل جسم الحيوان وإفرازها عبر اللبن، بل وتمتد خطورتها إلى الإنسان أيضًا.
وأوضح الدكتور صفوت كمال، أن الإصابة بالبروسيلا قد تطال الذكور من الحيوانات أيضًا، مسببة التهاب الخصية، وهو ما يُحتّم ضرورة إجراء اختبارات دورية للعجلات الصغيرة، خاصة بين عمر 3 إلى 7 شهور، وتطبيق سياسة تحصين صارمة بلقاح “بروسيلا 19”.
الحاضر.. إجراءات مشددة وخطط وطنية للسيطرة
في الوقت الراهن، تتبنى الدولة المصرية سياسة بيطرية صارمة للسيطرة على الأمراض الحيوانية، تتضمن التحصينات المنتظمة، والحجر الصحي للمزارع المصابة، والعزل الفوري للحيوانات الإيجابية، مع التخلص الآمن من الأجنة والمخلفات المصابة، وتكرار الفحص كل 21 يومًا حتى التأكد من خلو القطيع من الإصابة.
من بين الأمراض التي لا تزال تشكّل تهديدًا، يأتي سل الماشية (Tuberculosis) الذي تسببه بكتيريا “ميكوباكتيريوم”، وينتقل إلى الإنسان عبر استهلاك لحوم وألبان الحيوانات المصابة. وتتطلب الوقاية منه اختبارًا سنويًا لكل القطيع، مع إعدام اللبن المصاب، والالتزام بإجراءات الصحة العامة في الحظائر.
أما مرض "جونز"، فهو من الأمراض المزمنة، التي قد تصيب الحيوان بعد سنوات من الإصابة الفعلية. تظهر أعراضه في صورة إسهال شديد دائم، وفقدان وزن دون تأثر شهية الحيوان، ما يجعله أكثر تعقيدًا في التشخيص. ويتطلب الأمر عزل المواليد فورًا عن الأمهات المصابة، وتغذيتها بلبن صناعي حتى موعد التحصين.
ومن الأمراض البكتيرية الخطيرة أيضًا، عصويات البول الدموي التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإصابة الحيوان بالدودة الكبدية، وتؤدي إلى تسمم كبدي حاد ومفاجئ. أما التسمم الدموي النزفي الناتج عن بكتيريا “الپاستريلا”، فهو مرض وبائي فتاك، يسبب نسبة نفوق عالية خاصة بين الجاموس.
وتبرز أيضًا الحمى الثلاثية كواحد من أبرز الأمراض الفيروسية الموسمية، خاصة في الصيف، وهي تنتشر عن طريق الحشرات الطائرة، وتسبب ضعفًا عامًا، وعرجًا، وتراجعًا حادًا في إدرار اللبن. وقد تمتد الإصابة إلى الإجهاض لدى الأبقار الحوامل.
مستقبل الطب البيطري.. تحصينات، وتكنولوجيا، واستباق للأوبئة
يمضي قطاع الطب البيطري في مصر قدمًا نحو تحديث أدواته وخططه، اعتمادًا على التوعية المستمرة، والتحصين المسبق، وتكنولوجيا الكشف المبكر. ومع استمرار ظهور أمراض جديدة أو متحورة، باتت التحديات المستقبلية لا تقل خطورة عن الماضية.
من بين هذه التحديات، الحمى القلاعية التي ما زالت تُشكل خطرًا موسميًا، والحمى النزفية (الرفت فالي) التي تنتقل عبر البعوض وتهدد الإنسان والحيوان على حد سواء. كما ظهرت مؤخرًا في بعض المناطق أمراض جلدية فيروسية مثل الجلد العقدي والهيربس الجلدي، والتي تنتقل عبر الحشرات، وتسبب تشوهات في جلد الحيوان، ما يؤثر على صحته وإنتاجه.
وتتجه التوصيات البيطرية الحديثة نحو زيادة جرعات التوعية في الأوساط الريفية، وتكثيف التعاون بين المزارعين والوحدات البيطرية، مع التأكيد على عدم إدخال حيوانات جديدة إلى القطيع دون التأكد من خلوها من الأمراض، وتطبيق سياسة "العزل الاحترازي" لمدة لا تقل عن 21 يومًا.
الوقاية.. سلاح المزارع الأول
اتفق الأطباء البيطريون على أن الوقاية هي السلاح الأهم والأكثر فاعلية في مواجهة هذه الأمراض، وتبدأ من التزام المربي بالنظافة الدورية للحظائر، واستخدام اللقاحات المعتمدة، وإبعاد الحيوانات السليمة عن المصابة، ومكافحة الحشرات التي تعد أبرز ناقلات العدوى.
كما تُعد مراقبة الأعراض مبكرًا من العوامل الحاسمة في تقليل الخسائر. فكلما تم التشخيص مبكرًا، زادت فرص السيطرة على المرض قبل انتشاره داخل القطيع.
رسالة للمزارع المصري
إن التهاون في التعامل مع الأمراض البكتيرية والفيروسية قد يحوّل القطيع إلى مصدر خطر حقيقي على الصحة العامة، ويقضي على استثمار سنوات من الرعاية والتربية. لذلك، فإن التزام المزارعين بالإرشادات البيطرية، والتعاون مع الأجهزة المختصة، لم يعد خيارًا، بل ضرورة لحماية الثروة الحيوانية في مصر.