طرق تقليدية لاستخلاص الزيوت تتفوق على الآلات

كشف الدكتور ربيع مصطفى، أستاذ النباتات الطبية والعطرية بمعهد بحوث البساتين بمركز البحوث الزراعية، عن أهمية اتباع تقنيات استخلاص تقليدية لكنها فعّالة، وعلى رأسها العصر الهيدروليكي، الذي يعود استخدامه إلى قرون مضت، ولا يزال يحتفظ بمكانته حتى اليوم، بل ويُعد من أفضل الطرق للحفاظ على نقاء الزيوت وخصائصها الكيميائية والطبيعية.
وقال، تظل زراعة النباتات الطبية والعطرية واستخلاص زيوتها إحدى الركائز المهمة في الاقتصاد الزراعي المصري. ويأتي استخلاص الزيوت العطرية من ثمار الموالح – كالليمون والبرتقال والبرغموت – كواحدة من أكثر العمليات تعقيدًا ودقة، نظرًا لما تتطلبه من توازن حذر بين الحفاظ على جودة المكونات الفعالة والإنتاجية العالية.
من الماضــي: طرق تقليدية صنعت الجودة
على مرّ العصور، طوّر الفلاحون والحرفيون في مصر وحوض المتوسط طرقًا بدائية لكنها عبقرية لاستخلاص الزيوت من ثمار الموالح، اعتمادًا على تقنيات "العصر اليدوي"، التي حافظت على جودة المركبات العطرية دون تعريضها للحرارة أو المذيبات الكيميائية.
ومن أبرز هذه الطرق:
1- طريقة الإسفنج:
يتم تقطيع الثمار إلى نصفين بعد غسلها جيدًا.
تُقلب القشور وتُضغط على إسفنج يمتص الزيت والعصير الخلوي.
يُعصر الإسفنج ويُنقل الناتج إلى أقماع فصل لفصل الزيت عن الماء.
يُجفف الزيت ويُعبأ بطريقة تحفظ خصائصه.
2- طريقة البشر:
يتم بشر القشرة الخارجية للثمار الغنية بالغدد الزيتية.
توضع في أوعية تحتوي على شعر الخيول.
يُضغط عليها يدويًا حتى يخرج الزيت، ثم يُفصل ويُنقّى.
3- طريقة الوخز:
تعتمد على إناء نحاسي مخروطي يحتوي على مسامير صغيرة.
تُدار الثمار داخل الإناء بحركة دائرية تؤدي إلى وخز القشرة وخروج الزيت والعصير.
يتم الفصل لاحقًا بين المكونات وتجميع الزيت النقي.
في الحاضــر: تطور ميكانيكي يواكب الطلب الصناعي
مع التوسع في الصناعات الغذائية والدوائية ومستحضرات التجميل، أصبحت الحاجة إلى كميات أكبر من الزيوت العطرية أكثر إلحاحًا، ما دفع الشركات إلى اعتماد العصر الميكانيكي، باستخدام وحدات متكاملة تجمع بين البشر والطرد المركزي والغسل بالماء.
وتعتمد هذه الطريقة الحديثة على:
آلات ذات أسطوانات من الستانلس ستيل تحتوي على نتوءات حادة.
احتكاك الثمار بالجدار الداخلي للأسطوانة يؤدي إلى إخراج الزيت.
تيار مائي يغسل الزيوت المتناثرة ويجمعها في وعاء خاص.
يُفصل الزيت عن الماء بعد تركه ليركّد، ويُعبأ في عبوات داكنة اللون لحمايته من الضوء والأكسدة.
ورغم تطور هذه الطريقة، إلا أن الزيت الناتج عن العصر الميكانيكي يظل أقل جودة مقارنة بالزيت الناتج عن الطرق اليدوية، نظرًا لتعرضه للحرارة أو لبعض التغيرات الكيميائية أثناء التشغيل.
نحو المســتقبل: احتياطات دقيقة لضمان الجودة واستدامة الإنتاج
لضمان الحصول على زيت عطري عالي الجودة، شدّد د. ربيع مصطفى على مجموعة من الاحتياطات الضرورية قبل وأثناء وبعد عملية العصر، منها:
1. تنظيف الثمار جيدًا بمياه جارية أو محلول كربونات الصوديوم لإزالة الأتربة والملوثات.
2. نقع الثمار في الماء تحت ضغط مرتفع لتسهيل انفجار الخلايا الزيتية.
3. حفظ الزيوت بعد الاستخلاص في عبوات ألومنيوم بدرجات حرارة تحت الصفر لتثبيت خصائصها.
4. استخدام غاز النيتروجين أو ثاني أكسيد الكربون داخل العبوات الزجاجية الداكنة لمنع الأكسدة.
5. إضافة مضادات الأكسدة الطبيعية مثل حمض الستريك وبروبيل الجاليت لضمان ثبات التركيب الكيميائي.
الزيت العطري... ثروة زراعية يجب استثمارها بذكاء
بينما تتجه أنظار العالم نحو المنتجات الطبيعية والعضوية، تملك مصر ميزة تنافسية كبيرة في مجال النباتات الطبية والعطرية، خاصة ثمار الموالح الغنية بالزيوت الفوّاحة، والتي يُعد استخلاصها فناً بحد ذاته.
ولكي تحتفظ هذه الصناعة بمكانتها، وتُصبح موردًا اقتصاديًا مستدامًا، فإن المزج بين التراث التقليدي والبحث العلمي والتكنولوجيا الحديثة هو الطريق الأمثل لتعظيم العائد، وتقديم منتج مصري يليق بجودة الأسواق العالمية.