تحذيرات من أمراض البذور: تنقل سمومًا قاتلة للمحاصيل

كشفت الدكتورة داليا محمد كمال شاهين، الباحثة بقسم بحوث أمراض البذور في معهد أمراض النباتات التابع لمركز البحوث الزراعية، أنه في ظل التحديات المتصاعدة التي تواجه الأمن الغذائي العالمي، تبرز "أمراض البذور" كواحدة من أكثر المخاطر الزراعية خفاءً وتأثيرًا، إذ تهدد المحاصيل من الجذور، وتؤثر على الإنتاج كماً ونوعاً، بل وتمتد آثارها إلى صحة الإنسان والحيوان على حد سواء.
وشددت " داليا"، على الأهمية القصوى لفهم آليات انتقال أمراض البذور، وضرورة مكافحتها بطرق علمية دقيقة لحماية الأمن الغذائي وتحقيق استدامة الزراعة.
وسائل متعددة لنقل الأمراض.. والبذور في المقدمة
توضح شاهين أن الأمراض النباتية لا تنتقل بطريقة واحدة، بل تتعدد طرق انتقالها من موسم إلى آخر؛ فبينما تعيش بعض المسببات المرضية في التربة، تُحمل أخرى عبر الرياح أو الأمطار أو حتى الحشرات. ومع ذلك، تظل البذور وسيلة رئيسية لنقل الأمراض، خصوصًا تلك التي تصيب المحاصيل الأساسية.
وتكمن خطورة هذه العدوى في أنها لا تقتصر على إضعاف نمو النبات أو انخفاض الإنتاج فقط، بل قد تؤدي إلى انتشار أمراض خطيرة تصيب المحاصيل في مراحل مختلفة، مسببة خسائر اقتصادية فادحة.
البذور.. بداية الحياة ومصدر الخطر
البذور، التي تُعد وسيلة التكاثر الأساسية في النباتات، هي نتاج عملية الإخصاب داخل الأزهار، وتلعب دورًا محوريًا في تحسين إنتاجية المحاصيل، سواء من حيث الكم أو الجودة. ولذا، تهتم المؤسسات العالمية بتربية أصناف مقاومة للأمراض المنقولة بالبذور، خاصة في محاصيل الحبوب التي تشكل عصب الغذاء.
لكن الخطر يكمن في أن هذه البذور قد تحمل معها مسببات أمراض فطرية، وأحيانًا فيروسية أو بكتيرية، وحتى نيماتودية، تنتقل من موسم إلى آخر أو تنتشر بين الحقول. وتلفت شاهين إلى أن التقاوي المصابة تفقد أحيانًا حيويتها، أو تُنتج بادرات ضعيفة تصبح بؤرة لعدوى جديدة، وربما تُفرز سمومًا فطرية خطيرة، مثل "الأفلاتوكسينات"، ذات التأثيرات الصحية الضارة على الإنسان والحيوان.
قائمة سوداء.. أمراض بذور تهدد المحاصيل الرئيسية
سلطت الباحثة الضوء على أبرز الأمراض المنقولة بالبذور، والتي تُصيب محاصيل استراتيجية تمثل عماد سلة الغذاء:
القمح: التفحم السائب، الإرجوت
القطن: الذبول
الذرة الشامية: عفن الكيزان الوردي، تفحم الكيزان
الأرز: التفحم الكاذب، اللفحة
الطماطم: الندوة البدرية
البصل: عفن الرقبة
الحمص: لفحة الأسكوكيتا
فول الصويا: الأنثراكنوز
وأكدت أن الإصابة قد تكون في أجزاء مختلفة من البذرة، بما في ذلك الجنين، الإندوسبيرم، قشرة البذرة، أو أغلفة الثمرة، مما يعقّد من عملية التشخيص والمكافحة.
كيف نكافح أمراض البذور؟ 4 محاور أساسية
طرحت د. شاهين خطة مكافحة متكاملة تعتمد على أربعة محاور رئيسية:
1. الحجر الزراعي للبذور
حجز شحنات البذور المشتبه بإصابتها
إخضاع الواردات والصادرات لفحص دقيق
إصدار شهادات صحية معتمدة لضمان السلامة
2. زراعة بذور خالية من الأمراض
اختيار مواقع زراعة مناسبة وخالية من العدوى
تطبيق الدورة الزراعية
زراعة مصدات للرياح
إزالة الأعشاب والعوائل البرية
تطهير التربة واختيار أصناف مقاومة
3. ممارسات زراعية سليمة
تجهيز مهد جيد للبذور
اختيار توقيت الزراعة المناسب
استخدام معدل بذار مناسب وطريقة زراعة فعالة
التحكم في حموضة التربة والتسميد الجيد
4. معاملة البذور قبل أو أثناء الزراعة
بالمبيدات الفطرية الحيوية أو الكيميائية
باستخدام وسائل فيزيائية مناسبة
مع استمرار الوقاية بالمبيدات خلال مراحل نمو النبات لضمان سلامة البذور المنتجة لاحقًا
الوقاية أولًا.. والاستثمار في البحث ضرورة
في ختام حديثها، شددت د. شاهين على أن الاستثمار في فحص البذور وتحليل خصائصها الصحية لم يعد ترفًا زراعيًا، بل ضرورة استراتيجية. فالفهم العميق لآليات انتقال المرض وظروف الإصابة، يمثل الخط الدفاعي الأول في حماية المحاصيل وتعزيز الإنتاج الغذائي الوطني.
وخلال ظل التغيرات المناخية والتحديات البيئية، تزداد الحاجة إلى دعم البحوث الزراعية ورفع وعي المزارعين بسبل الوقاية ومكافحة الأمراض المنقولة بالبذور، للحفاظ على ثروة زراعية مستدامة تحقق الأمن الغذائي للأجيال القادمة.