الخميس 28 مارس 2024 مـ 04:17 مـ 18 رمضان 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

إلى لجنة محلب: هذه مليون فدان بين أيديكم

مر أكثر من 16 شهرا على قرار رئيس الجمهورية رقم 75 لسنة 2016، بتشكيل لجنة استرداد أراضي الدولة برئاسة المهندس إبراهيم محلب، ولم يدلها أحد حتى تاريخه، على أكثر من مليون فدان سائبة بين أيدي موظفي مناطق هيئة الأوقاف المصرية على مستوى الجمهورية، كغنيمة أفرزتها وجنبتها لجنة القسمة، التي يشكلها وزير الأوقاف، برئاسة قاضيين بالمعاش.

ولمن يعنيه الأمر، كان القانون 55 لسنة 1960 الخاص بقسمة الأعيان، قد أعاد تقسيم الأوقاف الأهلية على مستوى الجمهورية، على المستحقين، وكلمة "المستحقين" يُقصد بها "الفراشون، والخدم، وأهل الحظوة" المقربون من أصحاب هذه الأوقاف الأهلية، ثم جاء القانون 50 لسنة 1969، بتحدد الملكية بـ 50 فدانا فقط للفرد، فيما تؤول باقي أراضي الوقف إلى الإصلاح الزراعي، كما جاء حكم المحمة الدستورية العليا  عام 2008، بوقف قانون "حق الاستحقاق"، وذلك بإلغاء الوقف على الخيرات، وإحلال الوريث فقط بالمستحق.

ووفقا للقانون، فإن عقد القسمة ليس سندا للملكية، إلا بعد تسجيله في الشهر العقاري، مع تحديده بـ 50 فدانا فقط للمستحق، لتظل باقي الأراضي تحت سيطرة موظفي مناطق الأوقاف، وهي التي يتوارثها الموظفون حتى الآن، ولم يحصل عليها "الإصلاح الزراعي"، ولم تنتفع بها الدولة، لا بإيجار، ولا بأرياع، وتقدر بنحو مليون فدان على مستوى الجمهورية.

هذه اللجنة "القسمة" كانت ولاتزال سببا مباشرا ومستمرا، في عذاب الفلاحين المنتفعين بأراضي الأوقاف في مصر، حيث تركت أبوابا عديدة مشرعة للفساد والسرقة والنهب المنظم، عبر أجيال طويلة، تناقلت الدفاتر والحجج والأوراق القديمة، حيث يتم تدريب الجيل الجديد على حفظ الفتاوى التي تضمن لأسلافهم المرور الآمن إلى القبور، ليظل المنتفع الفلاح، والوريث الفقير، في ساقية دوارة من العذاب لا تتوقف، وتظل إيجارات هذه الأراضي تصب في صالح كتائب الموظفين العتاة، وأرباب العائلات المتنفذة.

لجنة استرداد أراضي الدولة ـ وفقا لقرار إنشائها، معنية بتحقق الأهداف السامية التي تم تشكيلها من أجلها، حيث يعني الاسترداد لغويا، إعادة حق مفقود عيني أو مالي، يتم استثماره لصالح صاحب الحق، ولم يأت في قرار إنشائها حصر أعمالها على الأراضي الصحراوية، أو الضائعة على الدولة حديثا، بل يجب النبش في الدفاتر القديمة عن حقوق ضائعة، تحولت إلى مليارات بأيدي فاسدين عتاة.

الغريب أن كل القرارات التي تدعم عمل هذه اللجنة حاليا، عطلت القوانين المعمول بها في هيئة مشروعات التعمير والتنمية الزراعية، المنشأة بقرار جمهوري أيضا، والتي أريد لها أن تُدمَغ بالفساد، نتيجة أخطاء فردية لبعض موظفيها، حتى أصبح من يعمل في هذه الهيئة في "حيص بيص" بين القرارات التي تعارض القوانين، وبين الإجراءات التي تُفرض عليهم بمجرد تعليمات شفهية، ستقود منفذيها في أيام لاحقة إلى السجن، لتجاوزها القوانين المعطلة حاليا، وإن كان الآمرون بها يلوحون خطأ، بأنها وفقا لتعليمات رئيس الجمهورية.

تعليمات رئيس الجمهورية الأخيرة بإعادة حقوق الدولة من الأراضي المنهوبة، لم يتم تفسيرها على معناها الضميري، ومفهومها الأصلي الذي يعنيه المسؤول الأول في البلاد، وهو رئيس الجمهورية، حيث تمت إزالات كيدية على أيدي موظفي المحليات، على الرغم من توزيع منشورات من المحافظين في جميع محافظات مصر، تؤكد على عدم إزالة شجرة مثمرة، أو زراعات جادة منتجة، مع فتح باب التقنين الفوري لواضعي اليد عليها، وذلك لاستيفاء حقوق الدولة.

المنشورات التي تفسر تعليمات رئيس الجمهورية حق تفسير، تم توزيعها تحت عنوان "سري وشخصي، تعرض فور الوصول"، وفيها:

ـ ألا يتم التعرض لأراض عليها زراعات جادة ومنتجة، على أن تبدأ على الفور إجراءات تقنين أوضاعها واستيفاء حق الدولة.

ـ إزالة التعديات على كل الأراضي التي صدر لها قرارات إزالة، ولا توجد عليها زراعة جادة ومنتجة أو نشاط اقتصادي منتج.

ـ في حالة وجود زراعة منتجة وجادة يتم التقدم لطلب تقنين الأراضي على الفور ودراسته في إطار النظام المتبع من لجنة استرداد أراضي الدولة والقوانين واللوائح المنظمة.

ـ في حالة وجود نشاط اقتصادي منتج في 15/5/2017، يتم العرض على معالي الوزير المحافظ، ليتأكد من جديته حتى يتم التقدم لتقنين النشاط وفقا للقانون واللوائح المنطمة.

وعلى الرغم من الرحمة التي تستبطن النقاط المدونة في منشورات المحافظين إلى كل رؤساء الوحدات المحلية لمراكز ومدن المحافظات، على مستوى الجمهورية، لم يتم العمل بها نهائيا، حيث تمت إزالات على أراض مثمرة، وأنشطة اقتصادية منتجة، كما تمت تجاوزات على أراض مملوكة بعقود رسمية من هيئة مشروعات التعمير والتنمية الزراعية، لوح بها أصحابها في وجوه القائمين على الإزالات، لكنهم نهروا أصحابها، ووصفوها بأنها مشكوك في صحتها، كون "الهيئة فاسدة".

وخلال المؤتمر الأخير الذي نظمته الدولة لإعلان نتائج حملة إزالة التعديات، وفقا لتعليمات رئيس الجمهورية، حيث استعرض المحافظون نتائج أعمالهم أمام الرئيس، لم يعلن أحدهم عن القيمة المضافة التي ستجنيها المحافظة، أو الدولة عامة، من كشف أعمال الإزالات التخريبية، ولم تتم مقارنة الدمار الحادث للتكاليف الرأسمالية التي دهستها الجرافات، بالمستهدف من هذه الإزالات، كما لم يتقدم أحد السادة المحافظين بخطة لاستثمار ما أسموه "الأراضي العائدة" أو "المستردة".

حتى الآن، لم نر نتيجة لهذه الحملة، سوى ارتفاع مؤشر الغضب والسخط من الضعاف الذين تعرضت أراضيهم للدهس تحت الجرافات، في الوقت الذي تركت آلاف الأفدنة محاطة بأسوار منيعة لم يمسسها قرار، وتنظر إليها عيون المظاليم شزرا، كونهم يعرفون أنها حصون محصنة بأسماء لا تزال تنعم بحياة كريمة، على الرغم من تسببها في عذاب مقيم لأجيال سبقت، وأجيال لاتزال في رحم الغيب.

نهاية: إلى المهندس إبراهيم محلب: مجلس الدولة كفيل بفك ألغاز لجنة القسمة التابعة لهيئة الأوقاف المصرية، وشهر واحد من العمل الدؤوب بين هيئة الأوقاف وهيئة الإصلاح الزراعي، كفيل باستعادة مليون فدان من الأوقاف الأهلية مطمورة في ملفات قديمة، تدر دخلا متجددا منذ عام 1961 على موظفين أحياء وأموات بالوراثة، ومنها ما دخل في زمام كردونات المدن، ويقدر المتر فيها بعشرات الآلاف، وقد تركت مطمعا لنواب برلمانات سابقة وحالية.