خبراء يوضحون فوائد قش الأرز في تحسين التربة
أكد الدكتور خالد فتحي سالم، أستاذ البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بجامعة مدينة السادات، أن موسم حصاد الأرز يشهد كل عام ظاهرة بيئية خطيرة تتمثل في تصاعد أعمدة الدخان من الحقول نتيجة حرق قش الأرز، ما يسبب ما يعرف بـ"السحابة السوداء"، التي تخلّف أضرارًا بيئية وصحية واقتصادية جسيمة.
وأوضح الدكتور سالم أن الأبحاث الحديثة غيّرت النظرة التقليدية لهذا المخلف الزراعي، حيث أثبتت التجارب أن قش الأرز يمكن أن يتحول من مسبب للتلوث إلى مورد زراعي ذي قيمة عالية، يسهم في تحسين خصوبة التربة وزيادة الإنتاج ومكافحة الآفات بطرق طبيعية وآمنة، مما يجعله أحد ركائز التحول نحو الزراعة المستدامة في مصر.
من مشكلة بيئية إلى مورد زراعي ثمين
كان المزارعون في الماضي يواجهون معاناة حقيقية في التخلص من كميات القش الكبيرة الناتجة عن الحصاد، ما دفعهم إلى الحرق باعتباره الحل الأسرع، رغم آثاره الخطيرة على البيئة. إلا أن التطورات العلمية الأخيرة أظهرت إمكانية تحويل القش إلى منتجات نافعة مثل الرماد الزراعي، والكمبوست، والمهاد الطبيعي، وهي بدائل اقتصادية وصديقة للبيئة.
رماد قش الأرز.. ثروة معدنية في خدمة التربة
وأشار الدكتور سالم إلى أن حرق القش بطريقة علمية ومنضبطة ينتج رمادًا غنيًا بالعناصر المعدنية المفيدة للنبات مثل السيليكا والبوتاسيوم والمغنيسيوم والكالسيوم. ويسهم هذا الرماد في تحسين بنية التربة وزيادة احتفاظها بالرطوبة وتعديل حموضتها، إلى جانب تعزيز مناعة النباتات ضد الأمراض والحشرات.
وأكد أن التجارب الميدانية أثبتت أن خلط الرماد مع الأسمدة العضوية أو نثره في الأراضي الزراعية يرفع الإنتاج بنسبة تتراوح بين 10 و20%، خاصة في الأراضي الرملية الفقيرة بالعناصر الغذائية.
مكافحة طبيعية للآفات دون كيماويات
وأضاف أن رماد قش الأرز يُستخدم كذلك كوسيلة طبيعية فعالة لمكافحة الآفات الزراعية، حيث يُقلل من انتشار الحشرات مثل المنّ والذبابة البيضاء، ويمنع نمو الفطريات الضارة التي تصيب الجذور، مما يقلل الاعتماد على المبيدات الكيماوية المكلفة والمضرة بالبيئة.
قش الأرز كمهاد طبيعي يحافظ على رطوبة التربة
وبيّن سالم أن استخدام قش الأرز كمهاد زراعي يُعد من التطبيقات الحديثة التي تساهم في الحفاظ على رطوبة التربة، وتقليل تبخر الماء، والحد من نمو الحشائش الضارة.
ويعمل المهاد على تثبيت درجة حرارة التربة وتوفير بيئة مثالية لنمو الجذور، ومع تحلل القش تدريجيًا، فإنه يضيف مادة عضوية تحسّن خصوبة التربة وجودتها على المدى الطويل.
تحويل القش إلى سماد عضوي غني بالعناصر
وأوضح أستاذ البيوتكنولوجيا أن تحويل القش إلى كمبوست طبيعي يمثل أحد أهم الحلول الاقتصادية والبيئية، إذ يتم خلطه مع مخلفات عضوية أخرى تحت ظروف مناسبة من الرطوبة والتهوية لإنتاج سماد عضوي غني بالنيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، ما يساعد في تقليل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية ورفع جودة المحاصيل.
نتائج ميدانية تؤكد النجاح
وأكدت التجارب الميدانية في عدد من المحافظات أن استخدام قش الأرز في صورته المعالجة أدى إلى زيادة ملحوظة في إنتاجية المحاصيل وتحسين خصوبة التربة، مع انخفاض تكاليف الزراعة، مما وفر عائدًا اقتصاديًا أكبر للمزارعين، وساهم في الحفاظ على البيئة وجودة الهواء.
تحديات التطبيق وسبل تجاوزها
ورغم الفوائد الكبيرة، أشار الدكتور سالم إلى أن التطبيق الواسع لهذه التقنيات ما زال يواجه تحديات في جمع القش ومعالجته بسبب نقص الوعي الزراعي وضعف البنية التحتية. ودعا إلى إطلاق برامج تدريب وتوعية للمزارعين، وتشجيع إقامة وحدات صغيرة لمعالجة القش بالقرب من مناطق الإنتاج لتسهيل إعادة استخدامه بطريقة اقتصادية ومستدامة.
من “السحابة السوداء” إلى “السحابة الخضراء”
اختتم الدكتور خالد فتحي سالم حديثه بالتأكيد على أن تحويل قش الأرز من عبء بيئي إلى مورد اقتصادي مستدام يمثل نموذجًا حقيقيًا لتطبيق مفهوم الاقتصاد الأخضر في الزراعة، موضحًا أن هذا التحول يسهم في حماية البيئة وتحسين جودة التربة وزيادة الإنتاج الزراعي، ليصبح ما كان سببًا في “السحابة السوداء” طريقًا نحو “السحابة الخضراء” التي تظلل مستقبل الزراعة النظيفة في مصر.


.jpg)























