خبراء يحذرون من انهيار مراكز تجميع الألبان
قال الدكتور فوزي محمد أبو دنيا، المدير الأسبق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني، إن مراكز تجميع الألبان في مصر تمثل العمق الاستراتيجي للأمن الغذائي القومي، باعتبارها حلقة الوصل الحيوية بين ملايين صغار المربين ومنظومة التصنيع الغذائي.
وأوضح أن إنشاء هذه المراكز جاء في الأساس بهدف تحقيق التنمية الريفية المستدامة، وتمكين المرأة الريفية، ودعم وتنمية الثروة الحيوانية في الريف المصري، بما يسهم في تحسين مستوى معيشة المربين وضمان استدامة الإنتاج.
ورغم الجهود المبذولة لتطوير هذا القطاع ضمن المبادرات الرئاسية، وما يتم ضخه من استثمارات، فإن الواقع العملي يكشف عن استمرار فجوة كبيرة، إلى جانب تحديات هيكلية وتشغيلية تعوق عمل هذه المراكز بكامل طاقتها، وفي مقدمتها غياب الشفافية المعلوماتية، وضبابية معايير التشغيل، وافتقار منظومة الإدارة إلى أسس علمية واضحة.
وفي هذا السياق، يطرح تساؤل جوهري حول الجهة الأجدر بإدارة هذا الملف فنيًا وتقنيًا، ليبرز مجددًا مقترح إسناد إدارة مراكز تجميع الألبان إلى معهد بحوث الإنتاج الحيواني، بوصفه الجهة العلمية المتخصصة وصاحبة الدور التاريخي في تأسيس هذا القطاع، فضلاً عن امتلاكه الخبرات الفنية اللازمة لتطويره.
وأكد أبو دنيا أن عودة المعهد لإدارة هذه المنظومة لا تمثل مجرد تغيير إداري، بل تُعد ضرورة فنية لإرساء قواعد “الحوكمة المعلوماتية” التي يفتقدها القطاع حاليًا، في ظل حالة من التخبط الناتجة عن غياب البيانات الدقيقة والمعايير الموحدة.
وأشار إلى أن القطاع يعاني من فقر معلوماتي واضح، حيث لا تتوافر بيانات معلنة حول كفاءة المراكز، أو نسب الفاقد الفعلية، أو مدى مطابقة الحليب المورد للاشتراطات الصحية الدولية، فضلًا عن الاعتماد على اجتهادات فردية في التشغيل، ما يحول دون بناء منظومة دقيقة للقياس والتقييم والتطوير.
وأضاف أن هذه التحديات تتفاقم مع تعقيد إجراءات الترخيص، وتدني جودة الأعلاف، واستمرار المخاطر الوبائية، والاعتماد على قنوات تسويق عشوائية تضعف الرقابة، وهو ما يجعل صانع القرار يعمل دون رؤية واضحة أو قاعدة بيانات موثوقة، ويُصعّب وضع استراتيجية قومية حقيقية للنهوض بالقطاع.
وشدد على أن الإدارة الحالية مطالبة بإدراك أهمية العودة إلى المنهج العلمي في إدارة مراكز تجميع الألبان، مؤكدًا أن معهد بحوث الإنتاج الحيواني هو الجهة الأقدر على قيادة هذا الملف، لما يمتلكه من خبرات في إدارة الإنتاج الحيواني بصورة متكاملة.
وأوضح أن إدارة المعهد تضمن وضع معايير واضحة لقياس الأداء وتقييمه من خلال مؤشرات أداء رئيسية (KPIs) مرتبطة بقاعدة بيانات مركزية شفافة، إلى جانب تحويل مراكز التجميع من مجرد نقاط تبريد إلى وحدات إدارة إنتاج متكاملة تتابع صحة القطيع ونظم التغذية لدى الموردين.
ولفت إلى أهمية تطبيق منظومة الحوكمة الرقمية، عبر أنظمة التتبع التي تتيح مراقبة مسار اللبن من الحظيرة وحتى المستهلك، مع إصدار تقارير دورية تعكس مستوى الأداء ونقاط القوة والقصور في كل مركز.
واختتم بالتأكيد على أن النهوض بالقطاع يتطلب تبني خارطة طريق واضحة تبدأ برقمنة المنظومة بالكامل تحت إشراف معهد بحوث الإنتاج الحيواني، ووضع دليل إلزامي لمعايير التشغيل، وتطبيق نظام تقييم دوري يمنح شهادات جودة للمراكز المتميزة، بما يضع حدًا للعشوائية، ويخفض تكاليف الإنتاج، ويضمن جودة المنتج، ويحمي المربي الصغير، ويكفل حق المستهلك في غذاء آمن ومعلوم المصدر.


.jpg)























