القمح في مواجهة الخطر العالمي.. هل تنجح مصر في تأمين ”الذهب الأصفر”؟

قال الدكتور خالد سالم، أستاذ البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بجامعة مدينة السادات، إن محصول القمح، المعروف عالميًا بـ"الذهب الأصفر"، يقف اليوم على خط المواجهة الأمامي في معركة الأمن الغذائي العالمي، في ظل اضطرابات متصاعدة وتحديات معقدة تواجه استدامة إنتاجه.
ومع تفاقم الأزمات المناخية والحروب الدولية، يتعرض هذا المحصول الاستراتيجي لضغوط غير مسبوقة، تُهدد وفرة الغذاء في دول عديدة، من بينها مصر التي تسعى جاهدة لسد الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك المتزايد.
القمح في مهب الريح: أزمات عالمية تهدد الإمدادات
بحسب الدكتور خالد سالم، يُعد القمح حجر الأساس في النظام الغذائي لأكثر من 80 دولة حول العالم، وهو مصدر رئيسي للطاقة والبروتين لمليارات البشر. لكن الأزمات المتتالية أثرت بشكل مباشر على إنتاجه:
التغير المناخي: أدت موجات الجفاف والحرارة المرتفعة إلى تقليص المواسم الإنتاجية، بينما ساهمت الفيضانات في تدمير مساحات شاسعة من الحقول.
الحروب الجيوسياسية: الحرب الروسية الأوكرانية عطّلت نحو 30% من صادرات القمح العالمية، وهو ما أثر سلبًا على توازن السوق العالمية.
ندرة المياه وارتفاع التكاليف: أدى نقص الموارد المائية وغلاء مستلزمات الإنتاج إلى تراجع الجدوى الاقتصادية لزراعة القمح في عدد من الدول، مما زاد من تعقيد المشهد.
الإنتاج في مصر.. أداء قوي رغم التحديات
ورغم أن مصر ليست من أكبر المنتجين عالميًا للقمح، إلا أنها تتميز بمعدل إنتاجية مرتفع من حيث وحدة المساحة. ووفقًا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، تتراوح إنتاجية الهكتار الواحد بين 6.5 و7.5 طنًا، وهو معدل يُعد من الأعلى عالميًا.
لكن هذا الإنجاز يصطدم بعدة معوقات داخلية:
ثبات الحصة المائية من نهر النيل يضع قيودًا على التوسع في زراعة القمح.
تفتيت الملكيات الزراعية يصعّب تطبيق النظم الحديثة بشكل شامل.
تذبذب أسعار التوريد في بعض المواسم يدفع بعض الفلاحين للابتعاد عن زراعة القمح، لصالح محاصيل ذات عوائد نقدية أعلى.
إستراتيجية مصرية لتقليص فجوة القمح
أشار الدكتور خالد سالم إلى أن الدولة المصرية تعمل على تحقيق التوازن بين الاستهلاك والإنتاج عبر حزمة من الإجراءات الاستراتيجية، أبرزها:
التوسع الأفقي في الرقعة المزروعة، من خلال مشروعات قومية كبرى مثل الدلتا الجديدة وتوشكى.
التوسع الرأسي عبر استخدام أصناف محسّنة عالية الإنتاجية، وتطبيق نظم الري الحديث وتدريب الفلاحين على تقنيات الزراعة الذكية.
تشجيع الزراعة التعاقدية بما يضمن للمزارعين سعرًا عادلًا، ويؤمن للدولة مخزونًا استراتيجيًا مستقرًا.
ترشيد الاستهلاك وتقليل الفاقد عبر تحسين منظومة التخزين، وتقليل الهدر في مراحل الحصاد والإنتاج، وصولًا إلى المستهلك النهائي.
خلاصة المشهد.. القمح معركة وطنية
في ظل التحولات الدولية والضغوط المناخية، يبقى القمح ملفًا حيويًا على أجندة الدولة المصرية. ومع توفر إنتاجية عالية، وخبرة فنية لدى الفلاح المصري، وإرادة سياسية واضحة، تملك مصر أدوات المواجهة.
لكن الطريق ما زال طويلاً. فمعركة القمح لا تقتصر على زراعة محصول، بل هي معركة وجود وأمن قومي تتطلب استثمارًا مستمرًا، وتخطيطًا دقيقًا، ووعيًا مجتمعيًا يعيد لهذا "الذهب الأصفر" قيمته الحقيقية كصمام أمان للغذاء الوطني.