زراعة الأرز تدخل عصرًا جديدًا مع Salto

قال الدكتور خالد سالم، أستاذ البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بجامعة مدينة السادات، إن القطاع الزراعي يشهد تحولًا جذريًا بعد اكتشاف جين جديد في نبات الأرز يُعرف باسم "Salto"، في إنجاز علمي يُعيد صياغة مفاهيم الزراعة الذكية والمستدامة في ظل التغيرات البيئية القاسية التي يشهدها العالم.
وأكد الدكتور سالم أن جين Salto، وهو اختصار لآلية تنظيمية داخل النبات، يُعد نقلة نوعية في تحسين قدرة الأرز على التكيف مع الضغوط البيئية مثل الملوحة، الجفاف، ونقص العناصر الغذائية. وتنبع أهمية هذا الجين من دوره المباشر في تعزيز مرونة النبات وتحسين إنتاجيته في بيئات زراعية هامشية، غالبًا ما تُصنف على أنها غير صالحة للزراعة التجارية التقليدية.
الجين الذي يُحدث الفارق: كيف يعمل "Salto"؟
يوضح الدكتور سالم أن الجين المكتشف يُعزز من كفاءة الجذور في امتصاص المغذيات، ويقوي استجابة النبات للتقلبات المناخية، فضلًا عن رفع كفاءة استخدام المياه والطاقة على المستوى الخلوي. وقد أظهرت التجارب الميدانية في بيئات مختلفة أن إدخال جين Salto في بعض أصناف الأرز أدى إلى زيادة واضحة في الإنتاجية، حتى في الأراضي المتأثرة بالملوحة أو شح المياه.
وأشار إلى أن هذا التأثير الإيجابي لا يتوقف عند تحسين كمية المحصول فقط، بل يمتد إلى استقرار جودته الغذائية، وهو ما يُشكل عاملاً حاسمًا في تأمين الغذاء في ظل تحديات تغير المناخ والتوسع السكاني.
CRISPR وSalto: تقنية تُعيد تعريف الزراعة
وبحسب الدكتور سالم، يجري حاليًا نقل جين Salto إلى الأصناف التجارية من الأرز باستخدام تقنيات التحرير الجيني الحديثة، وعلى رأسها تقنية CRISPR، والتي تُتيح إدخال التعديلات المطلوبة بدقة دون المساس بالبنية الوراثية الأساسية للنبات. مؤكداً أن هذا النهج لا يتضمن إدخال جينات خارجية، ما يقلل من المخاطر المرتبطة بالتعديلات الوراثية التقليدية، ويزيد من فرص قبولها المجتمعي والتنظيمي.
وأوضح أن التجارب الميدانية تُجرى حاليًا في عدد من الدول التي تعتمد على الأرز كمصدر رئيسي للغذاء، لتقييم أداء الأصناف المعدّلة ومدى قدرتها على مقاومة الظروف البيئية الصعبة دون الإضرار بالنظام البيئي أو سلامة المستهلك.
مصر والفرصة الذهبية
وفي ضوء التحديات التي تواجهها مصر في قطاع زراعة الأرز، لا سيما نقص المياه وارتفاع ملوحة التربة في شمال الدلتا، يرى الدكتور سالم أن تبني جين Salto يُمثل فرصة استراتيجية لمصر. مضيفاً أن إدخال أصناف قادرة على تحمل الجفاف والملوحة من شأنه أن:
يقلل من استهلاك المياه في الزراعة.
يُعزز إنتاجية الفدان دون الحاجة إلى التوسع في الرقعة الزراعية.
يدعم صغار المزارعين بتقنيات تساعدهم على التكيّف مع المناخ.
وأكد أن هذا التوجه يتكامل مع خطط الدولة نحو الزراعة الذكية، وتحقيق الأمن الغذائي الوطني في ظل شح الموارد الطبيعية.
تحديات تفرضها المرحلة
ورغم الآفاق المبشرة، يشدد الدكتور سالم على أن الانتقال إلى استخدام جين Salto بشكل موسع يتطلب تجاوز عدة تحديات، أبرزها:
ضرورة وجود تشريعات دقيقة لتنظيم استخدام المحاصيل المعدّلة وراثيًا.
الحاجة لتوعية المزارعين بكيفية التعامل مع هذه الأصناف الجديدة.
أهمية تقييم التأثيرات البيئية والصحية على المدى الطويل.
ودعا إلى تكامل الأدوار بين المؤسسات البحثية، والجهات التنظيمية، ومجتمع المزارعين لضمان الاستخدام الآمن والفعّال لهذه التقنية.
نحو زراعة مرنة ومستدامة
في الختام، يرى الدكتور خالد سالم أن جين Salto لا يُمثل مجرد اكتشاف علمي، بل نقطة تحول في مستقبل الزراعة العالمية. فمع تزايد الضغوط المناخية، وتراجع الموارد الطبيعية، بات من الضروري التوجه نحو حلول مبتكرة تعزز من قدرة المحاصيل على الاستمرارية والجودة.
ويُبرز هذا الاكتشاف أهمية البحث العلمي في تقديم حلول واقعية، تُمكّن الدول النامية مثل مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي دون استنزاف الموارد، ودون الإضرار بالنظام البيئي. ويبقى الرهان الحقيقي على الاستثمار في العلم، وتبني سياسات تُحفّز الابتكار وتُسهم في بناء منظومة زراعية resilient ومتكاملة.