الأرض
الأربعاء 27 أغسطس 2025 مـ 03:44 مـ 3 ربيع أول 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

صادرات القطن تتراجع بشدة في ظل أزمة التسويق

يشهد محصول القطن المصري، أحد أبرز المحاصيل الاستراتيجية في البلاد، تراجعًا حادًا على مستوى الزراعة والتصدير، وسط تحديات مناخية وتسويقية دفعت آلاف المزارعين للعزوف عن زراعته هذا العام، وسط مخاوف حقيقية على مستقبل "الذهب الأبيض".

38% انخفاضًا في المساحات المزروعة مقارنة بالعام الماضي

كشف الدكتور مصطفى عمارة، وكيل معهد بحوث القطن للإرشاد والتدريب والمتحدث الإعلامي للمعهد، عن تراجع حاد في المساحات المزروعة بمحصول القطن خلال الموسم الحالي، حيث بلغت 195 ألفًا و451 فدانًا فقط، مقارنة بـ311 ألف فدان في الموسم الماضي، أي بنسبة انخفاض تصل إلى 38%.

وتوزعت المساحات على النحو التالي: 173,316 فدانًا في الوجه البحري، و22,135 فدانًا في الوجه القبلي.

وأكد عمارة أن هذا التراجع الخطير يعد مؤشرًا على أزمة متفاقمة في منظومة زراعة القطن بمصر.

تأخر المستحقات وتراجع الأسعار.. أبرز أسباب العزوف

أرجع عمارة أسباب هذا التراجع إلى عدة عوامل، أبرزها أزمة التسويق التي شهدها الموسم الماضي، والتي بدأت بانخفاض حاد في الأسعار العالمية بعد توريد الأقطان، مما دفع التجار للعزوف عن الشراء، قبل أن تتدخل الدولة بدعم يقدّر بـ2000 جنيه للقنطار.

ورغم هذا الدعم، إلا أن صرف مستحقات المزارعين تأخر لنحو 6 أشهر في العديد من المحافظات، وعلى رأسها الشرقية والدقهلية، حيث لم تصل مستحقات البعض حتى الآن، رغم اقتراب نهاية الموسم الثاني، وهو ما دفع شريحة كبيرة من المزارعين لعدم تكرار التجربة هذا العام.

عوامل مناخية وأمراض حشرية تضرب الإنتاجية

لم تتوقف الأزمة عند حدود التسويق، بل امتدت إلى تحديات مناخية حادة. حيث ساهمت درجات الحرارة المرتفعة، وزيادة نسبة الرطوبة، وانتشار الآفات الحشرية، في تراجع الإنتاجية بشدة، ما جعل العائد لا يغطّي تكاليف الزراعة، وهو ما أدى إلى إحجام الكثيرين عن زراعة القطن.

ويتوقع مسؤولو المعهد أن تصل إنتاجية الموسم الحالي إلى قرابة 2 مليون قنطار، وهي كمية تُعد متواضعة مقارنة بالسنوات الماضية، ما يعكس حجم الأزمة التي يمر بها القطاع.

تباطؤ حاد في صادرات القطن والغزل والنسيج

منافسة شرسة من الأسواق العالمية وانخفاض القدرة التنافسية المصرية

في السياق ذاته، تشهد صادرات القطن والغزل والنسيج المصري حالة من التباطؤ الواضح خلال الموسم التصديري الحالي، ما أثار تساؤلات واسعة حول أسباب هذا التراجع وتأثيره على الاقتصاد المحلي، خاصة في ظل المنافسة القوية من الأسواق الدولية التي تقدم أسعارًا أقل وتتمتع بمرونة تسويقية أكبر.

قال عواد السيد، رئيس مجلس إدارة شركة الزهراء البيضاء للغزل والنسيج، إن تباطؤ حركة صادرات الغزل والنسيج خلال الموسم الحالي يرجع بالأساس إلى الاعتماد على مخزون الموسم الماضي، موضحًا أن إنتاج الموسم الجديد لم يدخل حيز التصدير بقوة سوى في الفترة الأخيرة.

وأوضح السيد، أن هذا التأخر تسبب في تراجع حجم الصادرات الإجمالي للشركات العاملة في القطاع، وهو ما ألقى بظلاله على أداء السوق التصديري للغزل والنسيج خلال الأشهر الأولى من الموسم.

استراتيجية توسعية لتجاوز التباطؤ

وأكد رئيس مجلس إدارة "الزهراء" أن شركته تتبنى حاليًا خطة استراتيجية واضحة لتنويع أسواقها التصديرية، تشمل الانفتاح على أسواق جديدة واعدة في المنطقة العربية وأوروبا، إلى جانب الحفاظ على قاعدة العملاء الحاليين وتعزيز العلاقات التجارية معهم، في محاولة لتقليل تأثير التباطؤ الراهن.

وأشار إلى أن الشركة تستهدف تصدير نحو 20% من إجمالي إنتاجها اليومي، بمعدل 10 أطنان يوميًا، بما يعادل قيمة صادرات تقديرية تبلغ مليون دولار، مؤكدًا أن هذه الخطوات تأتي ضمن رؤية أشمل لرفع القدرة التنافسية للمنتج المصري في الأسواق الخارجية.

التحديات تفرض تحركات سريعة

وشدد السيد على أن السوق العالمي يشهد منافسة شرسة تتطلب تحركات مدروسة وسريعة من الشركات المصرية، لا سيما في ظل تغيرات مستمرة في الأسعار، وتكاليف الشحن، ومتطلبات الجودة، مضيفًا أن أي تأخر في دخول الإنتاج الجديد إلى دورة التصدير يمثل عائقًا حقيقيًا أمام الشركات، ويؤثر على صورة المنتج المصري في الخارج.

أزمة الأصناف: "جيزة 98" تحت النار.. والمزارعون يطالبون بتعميم "جيزة 95"

في جانب آخر من الأزمة، أشار الخبير الزراعي محمد عبد الحليم إلى أن صنف "جيزة 98" يُعد أحد الأسباب المهمة وراء العزوف عن زراعة القطن، حيث أثبتت التجربة الميدانية أنه يُعطي إنتاجية منخفضة لا تتعدى 7 قناطير للفدان، مقارنة بصنف "جيزة 95" الذي ينتج ما يقرب من 15 قنطارًا للفدان.

وأضاف أن العديد من المزارعين أعربوا عن استيائهم من تعميم صنف جيزة 98، معتبرين أنه "صنف لا يسد النفس"، ويشكل عبئًا على المزارع دون مردود اقتصادي حقيقي. وطالبوا بسرعة إلغاء هذا الصنف أو تحسينه وراثيًا، وتوسيع زراعة صنف جيزة 95 المعروف بجودته العالية وتيلته الممتازة.

وأوضح عبد الحليم أن الدولة لم تُحدد سعرًا واضحًا لتوريد القطن هذا العام، ما تسبب في زيادة حالة الإرباك بين المزارعين، خصوصًا أن غالبية المزارعين الجدد غير راضين عن نتائج الموسم السابق، وهو ما يعزز التوقعات بمزيد من التراجع في المساحات المزروعة مستقبلًا.

ختامًا.. مستقبل القطن المصري في مفترق طرق

القطن المصري، الذي لطالما كان أحد رموز الجودة عالميًا، يواجه حاليًا تحديات هيكلية غير مسبوقة، تبدأ من ضعف الدعم المالي وتسويق المحصول، ولا تنتهي عند انخفاض الإنتاجية وتراجع التصدير.

أصبح لزامًا على الجهات المعنية إعادة هيكلة المنظومة الزراعية والتسويقية، والاهتمام بتحسين الأصناف وزيادة الدعم المبكر للمزارعين، خاصة في ظل تقلبات السوق العالمية والمنافسة الشديدة.

ما لم يتم اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة، قد يشهد القطاع الزراعي في مصر فقدان واحد من أهم محاصيله التاريخية.. فهل تتدارك الدولة الأمر قبل فوات الأوان؟.

أريد الكلمات الدالة على الموضوع