الأرض
الجمعة 11 يوليو 2025 مـ 02:04 صـ 14 محرّم 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

سوق الجيلاتين يزدهر.. والأسماك كلمة السر الجديدة

جيلاتين السمك
جيلاتين السمك

كشفت الدكتورة علياء محمود مصطفى، الباحثة بقسم بحوث اللحوم والأسماك بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، عن تفاصيل علمية دقيقة حول الجيلاتين، وخصوصًا المستخرج من الأسماك، ودوره المستقبلي في قطاعات متعددة، منها الغذاء والدواء ومستحضرات التجميل.

يأتى ذلك وسط الاهتمام المتزايد بالبدائل الطبيعية والمصادر المستدامة في الصناعات الغذائية والطبية، يبرز جيلاتين السمك كمادة واعدة تحظى باهتمام بحثي عالمي، لما يتمتع به من خصائص فريدة وقبول ديني وثقافي واسع.

ما هو الجيلاتين؟ وكيف يُستخلص؟
الجيلاتين هو بروتين يتم استخراجه من التحلل المائي الجزئي للكولاجين، وهو بروتين بنيوي طبيعي يشكل العمود الفقري للأنسجة الضامة في الكائنات الحية. ويمثل الكولاجين ما نسبته 20-25٪ من إجمالي البروتين في الثدييات، ويتمتع بتركيبة فريدة من الأحماض الأمينية، خاصة هيدروكسي برولين وهيدروكسي ليسين، وهي عناصر تلعب دورًا جوهريًا في استقرار الكولاجين ووظائفه الحيوية.

أما عملية تحويل الكولاجين إلى جيلاتين فتتم عبر ثلاث مراحل رئيسية، تبدأ بـمعالجة أولية تهدف إلى إزالة الملوثات والشوائب غير الكولاجينية، ثم مرحلة الاستخلاص المائي باستخدام الماء الساخن بدرجات حرارة تفوق 40 درجة مئوية، وأخيرًا مرحلة التنقية والتجفيف التي تشمل الترشيح والفصل والتجفيف والطحن، للوصول إلى منتج نهائي نقي يلائم مختلف الاستخدامات الصناعية والغذائية.


جيلاتين الأسماك.. البديل النقي والمستدام

أشارت د. علياء إلى أن المصدر الأكثر استخدامًا عالميًا في إنتاج الجيلاتين هو جلود وعظام الأبقار والخنازير، حيث يمثل جلد الخنزير وحده نحو 46٪ من الإنتاج العالمي، يليه جلود الأبقار بنسبة 29.4٪، ثم العظام بنسبة 23.1٪. إلا أن هذه المصادر باتت تواجه قيودًا صحية ودينية، خاصة مع ظهور أمراض مثل جنون البقر، وحرمة منتجات الخنزير في بعض الديانات، وعلى رأسها الإسلام.

ومن هنا بدأ الاتجاه يتصاعد نحو جيلاتين الأسماك، الذي أثبت قدرته على تقديم بديل آمن ونقي، خاصة في الدول الإسلامية والآسيوية. فهو أقل تحسسًا، وأكثر قبولاً دينيًا، ويتمتع بـنشاط بيولوجي مرتفع مقارنةً بمصادر الجيلاتين التقليدية.

مصدر غذائي ثمين من بقايا مهملة

أوضحت د. علياء أن جلد الأسماك يمثل ما بين 8% إلى 10% من وزن الأسماك الكلي، وكان يُستخدم سابقًا كعلف للحيوانات أو يتم التخلص منه كنفايات. لكن الأبحاث الحديثة كشفت أن هذا الجزء يُعد كنزًا غنيًا بالكولاجين عالي الجودة، ما يجعله مصدرًا واعدًا لإنتاج جيلاتين ذو قيمة غذائية وصناعية عالية.

وقد أظهرت تجارب متعددة إمكانية استخلاص الجيلاتين من جلود أنواع مختلفة من الأسماك، مثل القرموط الإفريقي، البلطي النيلي، المبروك، التونة، القرش، القد، السلمون، النازلي وبولوك ألاسكا، وبلغت نسب الاستخلاص ما بين 2% إلى 20% بحسب نوع السمك وطريقة المعالجة.

جيلاتين المستقبل: غذاء، دواء، تجميل وأكثر

تتعدد استخدامات جيلاتين الأسماك بشكل مذهل، فقد دخل بقوة في الصناعات التالية:

الأغذية: كعنصر أساسي في صناعة الحلوى والجيلاتين والزبادي والمشروبات.

الدواء: يُستخدم في إنتاج الكبسولات والأدوية المغلفة.

التجميل: يدخل في صناعة منتجات العناية بالبشرة والشعر.

الصناعات الأخرى: مثل صناعة الغراء والمواد اللاصقة.


ولفتت الباحثة إلى أن الأبحاث الحديثة طورت أيضًا أفلام غذائية مأكولة من جيلاتين الأسماك محمّلة بمضادات أكسدة وميكروبات، تُستخدم لتغليف الأغذية، مما يزيد من فترة صلاحيتها ويحميها من التلف، في خطوة تعزز من دور الجيلاتين كمكون وظيفي فعال.

سوق عالمي واعد واستثمار علمي ذكي

بحسب تقديرات السوق العالمية، بلغ حجم سوق الجيلاتين نحو 5 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز 6.6 مليار دولار بحلول 2027، مما يعكس الطلب المتزايد على هذه المادة الحيوية، ويعزز أهمية الاستثمار في مصادر بديلة وصديقة للبيئة مثل جيلاتين الأسماك.

مستقبل حيوي من قلب البحار
في ضوء هذه المعطيات، تؤكد د. علياء محمود أن الجيلاتين المستخرج من الأسماك لم يعد مجرد بديل، بل أصبح موردًا استراتيجيًا واعدًا، يحمل إمكانيات هائلة للابتكار والتطبيق في مجالات التغذية، والطب، والتجميل، بل وحتى التكنولوجيا الحيوية. إنه مثال حيّ على كيفية تحويل النفايات إلى موارد ذهبية تخدم الإنسان والبيئة في آنٍ واحد.