الأربعاء 17 أبريل 2024 مـ 12:41 صـ 7 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

المُنتِج.. الحلقة الأضعف في منظومة الغذاء

تبلغ الحيرة مبلغها في أوساط منتجي الغذاء في مصر، النباتي والحيواني على السواء، نتيجة الخسائر المتلاحقة عروة أو دورة، بعد عروة أو دورة سابقة، على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، دون أن تتحقق حالة الرضا بين المستهلكين، على اختلاف طبقاتهم.

الحلقة الأهم في هذه المنظومة، هو المُنتِج (المُزارع ومربي الدواجن والماشية)، وتأتي أهميته من درجة التأثير المباشر التي أصاب بها مؤشر الحالة الاقتصادية لجميع فئات المجتمع، كونه توقف عن حصد غلة كفاحه، فنضب المنبع الأساسي للسيولة المالية التي تغذي شرايين قاعدة عريضة في بناء المجتمع الاقتصادي المصري.

وعلى أهمية المنتجين في جميع دول العالم، يظل المُنتِج المصري الأكثر ضعفا بين الفئات المماثلة والموازية عربيا وعالمي، بعد أن حاصرته الديون، وأثقلته هموم الحاجة للوفاء بديونه لتجار مستلزمات الإنتاج (أسمدة، مبيدات، أعلاف، أدوية بيطرية، ومحروقات، إضافة إلى فواتير الكهرباء).

وبالعودة إلى الحيرة، لا يكف أبناء هذه الفئة عن السؤال عن أسباب "فرملة" عجلتهم، فلا محاصيل استراتيجية تغنيهم، ولا خضروات أو فواكه (حاصلات تصديرية)، تحقق لهم الكفاف، حتى بات هجر الزراعة عملا من أعمال المروءة، بعد أن كان من يفعل ذلك يُزَف بأغنية "عواد باع أرضه".

لم ينفع الفلاح أو المُزارع أو المربي طوله أو عرضه لسداد ما عليه من ديون لأصحاب المشاتل، أو تجار الأسمدة والمبيدات، أو الأعلاف والأدوية البيطرية، فاضطر صاغرا لتحرير شيكات وإيصالات أمانة لأصحاب الديون، وهؤلاء لم يستطيعوا صبرا على تجمد أحوالهم، وأيضا لم تكن بأيديهم حيل ناجعة لتحصيل هذه الديون، كما يعترفون بعدم جدوى التقاضي وتحصيل أحكام بالعقوبة المستحقة على عميل ليس نصابًا أو مخادعا، لكنه معسر رغم امتلاكه كل أدوات اليسر.

ليس باستطاعة خبير، لا إكتواري ولا استراتيجي ولا اقتصادي، أن يصنِّف منتِج الغذاء حاليا ضمن طبقة اقتصادية من تلك الطبقات المتعارف عليها (غنية، وسطى، فقيرة)، لأنه لم يعد يخشى سوى الهبوط تحت "خط الستر".

الحقيقة التي يجب أن تُعرَض بأمانة على طاولة اجتماع الرئيس بالوزراء وأعضاء الحكومة، هي أن الغذاء متوافر بكميات جيدة، لكن المعضلة لم تعد في الإتاحة، ولا في سعرها للمستهلك، لكنها - أي الطامة، في فرق سعر تكلفة إنتاجها عن سعر بيعها للجمهور، لكي يكون ولي الأمر على دراية تامة بأن كل كيلو دجاج وكل طبق بيض وكل كيلو خضار، تقابله خسارة مالية لليد التي زرعتها أو ربتها أو حملت معول حصادها، لحما طريا أو ثمرة غضة حلالا للآكلين.

قد يفرح المستهلك بعنصري الإتاحة والرخص في سوق الخضر والفاكهة والإنتاج الداجني، وقد لا يكترث لخسارة المنتجين أرصدتهم من المال والصحة النفسية والولاء للزراعة والتربية، لكن المخيف حقا أن يتوب المزارع والمربي عن ارتكاب فعل الخسارة بالاستمرار في الفلاحة وتربية الدواجن أو إنتاج البيض، ويومها لا ينفع البكاء على حليب نسكبه بأيدينا يوميا في بالوعات الصرف.

الحلول لها خزائن سرية، لا يحمل مفاتيحها إلا المعنيين بالعرض الأمين أمام الرئيس، لأنه حتما لن يرضى بأن تبيع للمواطن سلعة ما محلية - أساسية أم مكمِّلة - برقم يقل كثيرا عن تكلفة إنتاجها، حتى لو أعجب المستهلكون حصادها.