السبت 20 أبريل 2024 مـ 04:04 مـ 11 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

مصر 2017 .. البيضة بـ 300 ليتر ماء

مع الفقر المائي الذي تعيشه مصر حاليا، (600 متر مكعب للفرد سنويا)، لايزال إنتاج كل بيضة يستهلك 300 ليتر مياه، فيما يستهلك إصبع الموز 60 ليترا، وكيلو الحليب السائل 1000 ليتر، وليتر الزيت 2300 ليتر ماء، وكيلو لحم الدجاج 4300 ليتر، مقابل 8700 ليتر لكل كيلو لحم ماعز، و15 ألف ليتر لكل كيلو لحم خنزير، و5500 ليتر لكل كيلو زبدة بلدي.

هذا هو معدل إنتاج الغذاء مقابل استهلاك الماء في مصر، في وقت نجحت فيه دول لا تشكو من الفقر المائي، في تعظيم القيمة المضافة من قطرة المياه، لتجعل تكاليف إنتاج الغذاء أقل من هذه المعدلات بنسبة 90 %.

وفي مقالي السابق الذي نشر هنا بتاريخ 11/7/2017، وبعنوان "20 سؤالا في 148 يوما لوزير الزراعة"، كان السؤال السادس: هل قدمت الوزارة للرئيس دليلا صادقا للمشروع (مشروع الـ 1.5 مليون فدان)، يتضمن: ندرة المياه الجوفية وضعف جدوى استخراجها، والتركيبة المحصولية النافعة لكل شبر في المشروع، وهل جرؤ الوزير على التصريح بأن هذا المشروع سيغني مصر فعلا، إذا زُرِعت أرضه بالجوجوبا والتين الشوكي فقط؟

وبعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على نشر المقال، لم يصدر عن الوزارة أي تعليق يفسر شرحا وافيا لسياسة الدولة عامة في التعامل مع قطرة المياه، في ظل أزمة حقيقية يعرفها الجاهل قبل "العالِم"، بدعوى أنه "كلام جرايد" لا يغني الرد عليه ولا يسمن.

ربما لا يستطيع المستهلك تحريك ساكن في قضية توفير المياه، لكن صانع القرار قد لا يعلم الحقائق العلمية المرعبة حول استهلاك السلع الغذائية من المياه على الطريقة المصرية المتبعة حتى الآن، سواء في الري، أو في تطهير عنابر الدواجن، أو في إنتاج الأعلاف التقليدية، أو حتى في إنتاج محاصيل من أصناف شرهة للمياه، في الوقت الذي تتاح فيه إمكانية محاكاة المعدلات العالمية الحديثة، واستنباط أنواع نباتية موفرة للمياه، وأسمدة جديدة تضاعف الإنتاجية من نفس وحدتي المساحة والمياه، وذلك كله في ظل أزمة المياه الإقليمية والعالمية، والتحديات المائية التي تواجه سكان الأرض عامة في السنوات القليلة المقبلة.

ومع ما يحيط مصر من تحديات مائية، لايزال الكثير من المتخصصين وغير المتخصصين، يغرد بإمكانية زراعة ملايين الأفدنة الصحراوية، بالزراعات التقليدية، (أشجار وخضروات وحبوب)، ولا عجب في أمر غير المتخصصين، لكن "الوكسة" تأتي من تصريحات المتخصصين، الذين من بينهم علماء زراعة، وري، وجيولوجيا.

وبتجربة عملية، فإن مستوى الماء الجوفي في الصحراء الغربية، يتراجع تدريجيا، بمستوى يزعج كل أصحاب الزراعات الجادة، الذين لا يستدعيهم مسؤول لسؤالهم عن أحوال الزراعة، وما يمكن عمله تجاه المشاريع المهددة بالتصحر بسبب هبوط منسوب مياه الآبار الجوفية، على الرغم من الزراعات الأقل احتياجا للمياه.

ومثالا حيا على ذلك، فإن مشروع حجمه 36 ألف فدان، غرب طريق (وادي النطرون ـ العلمين)، يتبع محافظة البحيرة، كانت المحافظة قد وزعت أراضيه بعقود "استصلاح زراعي" عام 1997، بغرض الزراعة، ومنذ هذا التاريخ، أي منذ 30 عاما، لم تبلغ نسبة الزراعة الجادة في هذا المشروع أكثر من 15 %، ومع ذلك "غارت" مياه الآبار في المنطقة منذ 2015، مسافة تتراوح بين 12 و15 مترا، على الرغم من أن الزراعة الجادة لم تبدأ فيه قبل عام 2007، فما بالنا لو أن 50 % من أصحاب العقود كانوا قد أوفوا ببند "الزراعة الجادة"؟

ومع تحقق المخاطر المحتملة على الزراعات القائمة، من حلم التوسع في زراعة الصحراء بالرؤى المتداولة حاليا، يعتقد الكثيرون من المقربين لصانع القرار (رئيس الجمهورية) أن من يقترب من هذه النقطة الحساسة، سيكون مصيره الإبعاد خارج دائرة الضوء، مفضلين البقاء فيها، حتى لو دخلوا "مذابل" التاريخ بعد انتهاء دورهم.

وللأمانة، فإن وزير الموارد المائية والري الحالي الدكتور محمد عبد العاطي، هو الوحيد الذي تجاسر في هدوء، معلنا عن أن المياه الجوفية في مصر، ليست بحال يسمح بالرفاهية المأمولة من زراعة الصحراء، حيث أكد في مذكرة رسمية سابقة، أنه لا يمكن زراعة أكثر من 28 % من مساحة الـ 1.5 مليون فدان الخاصة ببرنامج الرئيس، وبأسلوب عمراني حديث، يعتمد على إقامة مجتمعات بشرية مستدامة، تعيش على سياسة الاستثمار الأمثل لقطرة المياه المتاحة، بالزراعة وتصنيع حاصلاتها.

بلدان العالم تقيس الآن مؤشر التحضر، بمقياس التعامل مع قطرة المياه، إذ يحسبون تكلفة استخراجها أو تحليتها، أو تحضيرها للاستخدام الحياتي، كما يحسبون ناتج استخدامها، شربا، أو ريا، أو تصنيعا، أو حتى استحماما وغسيلا، لكننا نخزن دراساتنا الأكاديمية المتعلقة باقتصاديات إدارة المياه، ولا نطبقها على أرض الواقع، ومنها على سبيل المتاح، تنفيذ مشروع التسوية بالليزر في الأراضي التي تروى بالغمر، وتعميم الري الحديث في أراضي الوادي والدلتا، التي يهددها حاليا مرض "الاستسقاء"، أو "التطبيل".

نحن نغمض عيوننا عن حقائق مرعبة، منها أن كل فدان برسيم من الذي يروى حاليا بنحو 3200 متر مكعب ماء سنويا، ينتج فقط 30 طنا من البرسيم الأخضر بنسبة بروتين لا تزيد على 8 % في خمس "حشات" خلال ثمانية أشهر، في الوقت الذي نستطيع فيه رفع هذه الإنتاجية إلى 150 طنا من البرسيم الأخضر بنسبة بروتين تصل إلى 16 %، بنفس كمية المياه من مساحة الفدان ذاته، لكن بسماد بيولوجي صديق للبيئة، يتوافق مع المعايير الأوروبية، تنتجه حاليا جامعة مدينة السادات، وليس تاجر أسمدة من نوع "بئر السلم".

 إنتاج البرسيم بهذا المعدل، وهذه الكيفية، يوفر عليقة مركزة للحيوان، بمعامل تحويل جيد لإنتاج الحليب واللحم الأحمر، بما يوفر نحو 30 مليار جنيه تنفقها مصر سنويا في استيراد الألبان المجففة، و24 مليار جنيه لسد فجوة اللحوم الحمراء، إذا عدمنا الطريقة التي نختصر بها مياه الري، أو الطرق الحديثة التي قربت تطبيق "نكتة" "الاستحمام في الكنكة".

موضوعات متعلقة