ثورة وراثية جديدة تعد بمضاعفة إنتاج القمح عالميا

تشهد الزراعة العالمية تحولا علميا غير مسبوق بعد أن توصل فريق بحثي دولي إلى اكتشاف جيني قادر على مضاعفة إنتاج القمح، أحد أهم المحاصيل الغذائية في العالم. هذا الإنجاز، الذي تم نشره في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم الأمريكية (PNAS) لعام 2025، قد يعيد رسم خريطة الأمن الغذائي العالمي في العقود المقبلة.
جين يتحكم في عدد الحبوب داخل السنبلة
كشف الباحثان آدم شون وفيجاي تيواري أن الجين المعروف باسم WUSCHEL-D1 (WUS-D1) هو العامل الرئيسي في زيادة عدد المبايض داخل الزهرة الواحدة للقمح، ما يؤدي مباشرة إلى إنتاج حبوب أكثر في كل سنبلة.
في الظروف الطبيعية، تنتج كل زهرة حبة واحدة فقط من القمح. لكن الفريق العلمي لاحظ أنه عند تنشيط الجين WUS-D1، تبدأ الزهرة بتكوين مبيضين أو ثلاثة بدلا من مبيض واحد، لترتفع إنتاجية السنبلة بنسبة تصل إلى 70% مقارنة بالأصناف التقليدية.
السر في إعادة ترتيب الكروموسومات
أوضح الفريق أن هذا التأثير الاستثنائي يعود إلى إعادة ترتيب فريدة في الكروموسومات داخل نوع نادر من القمح يعرف باسم “Multi-Ovary Variety” أو MOV.
وقد تبين أن هذه الطفرة الجينية تؤدي إلى نشاط مفرط للجين WUS-D1، وهو ما يحفز نمو مبايض إضافية داخل الزهرة. وعند إيقاف الجين تجريبيا، تعود الزهور لإنتاج مبيض واحد فقط، ما يؤكد الدور المحوري لهذا الجين في تحديد عدد الحبوب.
تحكم جزيئي دقيق في نمو الأزهار
ينتمي الجين WUS-D1 إلى عائلة من الجينات المسؤولة عن تنظيم الخلايا الجذعية النباتية، وهي الخلايا التي تتحكم في نمو الأعضاء الجديدة مثل الأوراق والزهور.
يقول الباحثون إن تنشيط الجين داخل أنسجة الزهرة يعيد برمجة الخلايا، ويجعلها تستمر في الانقسام لفترة أطول من المعتاد، مما ينتج عنه زيادة في عدد المبايض والحبوب.
نقلة استراتيجية في إنتاج القمح
يمثل هذا الاكتشاف تحولا استراتيجيا في جهود رفع إنتاج القمح، إذ لم يعد التركيز مقتصرا على تحسين مقاومة الجفاف أو رفع وزن الحبوب، بل أصبح ممكنا زيادة عدد الحبوب المنتجة في السنبلة الواحدة.
ويؤكد الخبراء أن هذا التوجه الجديد قد يسمح بزيادة الإنتاج العالمي للقمح دون الحاجة لتوسيع المساحات المزروعة، وهو ما يجعله حلا مثاليا للدول ذات الأراضي الزراعية المحدودة.
تطبيقات جينية مستقبلية عبر تقنية كريسبر
تتوقع الدراسة أن يسهم استخدام تقنيات التحرير الجيني الدقيقة (CRISPR) في نقل هذه الخاصية إلى أصناف القمح التجارية بطريقة آمنة وسريعة.
ويسمح هذا التطور بتطوير سلالات جديدة تتمتع بإنتاجية مضاعفة وجودة عالية، مع الحفاظ على مقاومة الأمراض والتكيف مع تغير المناخ.
آفاق واعدة للأمن الغذائي العالمي
في ظل الزيادة السكانية العالمية المتسارعة وارتفاع الطلب على الحبوب، يعد هذا الاكتشاف خطوة حاسمة نحو تحقيق الاكتفاء الغذائي المستدام.
ويرى الخبراء أن التوسع في استخدام هذه التقنية خلال العقد القادم قد يضاعف إنتاج القمح عالميا، ويسهم في خفض أسعار الغذاء، ويعزز استقرار الأسواق الزراعية.