خبراء يطالبون بدخول مصر في صناعة الحليب المجفف

أوضح الدكتور ياسر الشاذلي، مدير عام البحوث الاقتصادية، أنه، رغم الطلب المتزايد محليًا وعالميًا على الحليب المجفف، لا تزال مصر تفتقر إلى وجود صناعة قوية في هذا القطاع الحيوي، الذي يعد من أكثر الصناعات الغذائية نموًا وربحية
وأشار الشاذلي إلى أن دراسة حديثة أعدتها إدارة الشؤون الاقتصادية بالغرفة التجارية بالشرقية، كشفت عن وجود فرصة استثمارية واعدة لإنشاء مصانع متخصصة في إنتاج الحليب المجفف، لتلبية الطلب المحلي المتنامي، الذي يشهد ارتفاعًا ملحوظًا بالتوازي مع تحسن مستوى المعيشة في مصر.
وأضاف أن السوق الإقليمي والدولي يشهد أيضًا طلبًا كبيرًا على الحليب المجفف، خاصة في دول الخليج والدول الإفريقية، التي تعتمد بشكل متزايد على هذه السلعة، ما يفتح الباب واسعًا أمام التصدير، خاصة مع وجود اتفاقيات تجارية تربط مصر بهذه الدول مثل اتفاقية أغادير، والكوميسا، وغيرها.
سوق عالمي ضخم ومنافسة شرسة
وحول حجم التجارة العالمية للحليب المجفف، أوضح الشاذلي أن صادرات هذه السلعة بلغت نحو 19 مليار دولار في عام 2019، مشيرًا إلى أن الدول العربية تُعد من أكبر الأسواق المستوردة، تتصدرها الجزائر بواردات تقترب من مليار دولار، تليها السعودية ثم باقي دول الخليج.
كما أشار إلى أن دولًا إفريقية عديدة تعتمد على استيراد الحليب المجفف، وتلبي جزءًا من احتياجاتها من خلال منظمات دولية مثل الأمم المتحدة، خاصة في مجال ألبان الأطفال، لافتًا إلى أن نيوزيلندا تحتكر حاليًا هذه الصناعة بفضل كفاءتها العالية وأسعارها التنافسية.
صناعة دقيقة توازي تصنيع الأدوية
ووصفت الدراسة الحليب المجفف بأنه "مسحوق الحليب"، الذي ينتج عن تبخير المياه من الحليب الطازج، ويُعرف عالميًا باسم "Milk Powder"، ويتميز بطعمه وقيمته الغذائية المشابهة للحليب السائل. ويتطلب إنتاجه تقنيات دقيقة جدًا توازي صناعة الأدوية من حيث اشتراطات الجودة ونظم التشغيل.
وتحدد المواصفات العالمية نسبة النداوة فيه ما بين 3 إلى 5%، ولا يجب أن تتعدى حموضته 0.15 حتى لا تتأثر ذائبيته. كما ينبغي ألا يحتوي على مضادات حيوية أو آثار مبيدات، وألا يتجاوز المحتوى الميكروبي 200 ألف خلية لكل ملليتر من الحليب.
ضعف التمثيل المصري عالميًا
ووفقًا لبيانات مركز التجارة الدولية التابع للأمم المتحدة، تجاوز حجم صادرات الحليب المجفف عالميًا 26 مليار دولار في عام 2022، بزيادة تقارب 10% عن عام 2021، إلا أن حصة مصر من هذا السوق جاءت ضئيلة للغاية، حيث لم تتجاوز 0.03% من إجمالي الصادرات.
أما واردات العالم من الحليب المجفف خلال نفس العام فقد تخطت حاجز 28 مليار دولار، مما يعكس الفجوة الكبيرة التي يمكن لمصر أن تسعى لسدها عبر تعزيز قدراتها الإنتاجية والتصديرية.
عوائق محلية وفرص واعدة
ورغم ما تمتلكه مصر من مقومات بشرية وموقع جغرافي مميز، إلا أن الدراسة حذرت من عدد من التحديات التي تواجه هذه الصناعة، من بينها ارتفاع تكاليف الإنتاج، وانخفاض مستوى الوعي بأهميتها، إلى جانب ضعف الدعم الحكومي والمنافسة الشرسة من دول رائدة مثل نيوزيلندا، الولايات المتحدة، وألمانيا.
ولمعالجة هذه التحديات، أوصت الدراسة بضرورة توطيد التعاون مع الدول الرائدة في هذا المجال، وعلى رأسها نيوزيلندا، للاستفادة من خبراتها المتقدمة في مجالات الرقابة، الفحص، وتحليل المخاطر، إلى جانب تطوير القدرات المحلية على المستويين البحثي والتطبيقي.
توصيات بتأسيس مجلس قومي للألبان
واقترحت الدراسة إنشاء مجلس قومي للألبان، يكون بمثابة جهة تنظيمية مستقلة تحقق التوازن بين المنتج والمصنع والمستهلك، وتضع آلية عادلة لتحديد الأسعار بما يضمن استدامة الإنتاج ويشجع الاستثمار في هذا القطاع.
كما دعت إلى إعداد استراتيجية قومية لضمان الحد الأدنى من استهلاك الألبان حفاظًا على الأمن الغذائي، إلى جانب تعزيز المواصفات القياسية، ووضع علامة جودة موحدة لجميع منتجات الألبان المصرية، وإنشاء شبكة معامل معتمدة للفحص، تغطي جميع المحافظات.
مصر على أعتاب صناعة استراتيجية
وأكد الدكتور الشاذلي، أن الحليب المجفف يمثل فرصة حقيقية أمام الاقتصاد المصري، ليس فقط لتقليل فاتورة الاستيراد، بل أيضًا لتعزيز الصادرات إلى أسواق واعدة في العالم العربي وأفريقيا.
ولفت إلى أن من بين الدول التي تستورد الحليب المجفف المصري: السعودية، موريتانيا، سوريا، كوت ديفوار، لبنان، واليمن، مشددًا على أن دخول مصر بقوة إلى هذا القطاع سيخلق فرص عمل، ويرفع من تنافسية المنتجات الوطنية في الأسواق الدولية.