الأرض
الأربعاء 13 أغسطس 2025 مـ 04:56 مـ 18 صفر 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

تحديات المزارعين في الكمون تطالب بدعم حكومي عاجل

قال الحاج عبد الله عبد اللطيف العشماوي، أحد كبار مزارعي محافظة الغربية، إن الزراعة في قُرى المحافظة لم تعد مجرد نشاط موسمي يقتصر على حرث الأرض وبذر البذور، بل تحولت إلى مشروع اقتصادي متكامل يعكس وعياً متقدماً لدى الفلاحين بأهمية ما تطرحه الأرض من عائد قومي وقيمة تصديرية.

وأشار إلى أن محافظة الغربية، وعلى امتداد أراضيها الخصبة، لم تتوقف عند حدود زراعة المحاصيل التقليدية كالبصل والبطاطس والعنب والكتان، بل امتد الطموح ليشمل صناعات قائمة على تلك المحاصيل، مثل تعبئة العسل الأبيض وتجفيف الزبيب وصناعة البردي. غير أن التحول الحقيقي، كما يؤكد العشماوي، جاء مع دخول الكمون إلى خريطة المحاصيل الاستراتيجية.

الكمون المصري.. نبتة صغيرة تفتح أبواباً كبرى

وأضاف أنه في السنوات الأخيرة، تصاعد الطلب العالمي على الكمون المصري، لما يتمتع به من جودة عالية ونسبة مرتفعة من الزيوت الطيارة. هذا الإقبال العالمي لم يمر مرور الكرام على مزارعي الغربية، لا سيما في قرية نشيل بمركز قطور، التي شهدت توسعاً كبيراً في زراعته، حتى أصبحت من أبرز مراكز إنتاجه في البلاد.

وأوضح العشماوي أن السعر المرتفع للكمون في العام الماضي، والذي وصل فيه الكيلو إلى نحو 400 جنيه للمستهلك، شكّل دافعاً كبيراً للمزارعين للرهان على هذا المحصول، خاصة أنه لا يحتاج إلى أكثر من رية واحدة أو اثنتين طوال الموسم.

وأضاف أن الزراعة تبدأ عادة في شهري أكتوبر ونوفمبر، ويُفضّل التبكير بها لزيادة الإنتاجية، التي تتراوح ما بين 600 إلى 800 كجم للفدان، وقد تصل إلى طن في بعض الحالات.

خطوات دقيقة لرعاية محصول حساس

واستعرض العشماوي خطوات إعداد الأرض بدقة، بدءاً من حرثها سكتين متعامدتين، ثم إضافة السماد العضوي بمعدل 15 إلى 20 متراً مكعباً للفدان، إلى جانب 200 كجم من سوبر فوسفات الكالسيوم. وتُترك الأرض بعد الحرث للتشميس أسبوعاً كاملاً، لضمان التخلص من الحشرات والأمراض، قبل تخطيطها وزراعة البذور على مسافات مدروسة.

وأوضح أن الكمون يحتاج إلى رية أولى "على الحامي" بعد الزراعة مباشرة، ثم يُتابع الإنبات دون ري جديد لمدة عشرة أيام. فزيادة المياه قد تُضعف تركيز الزيت في البذور، وتقلل من جودة الإنتاج.

زيت الكمون.. ذهبٌ سائل يحرك السوق العالمية

من جانبه، أكد المهندس الزراعي عبد الله العازب أن الكمون المصري أصبح محط أنظار شركات الأدوية العالمية، لما يتميز به من محتوى زيتي مرتفع مقارنة بالأصناف السورية والهندية.

وقال إن مصر تنتج سنوياً أكثر من 250 ألف طن من الكمون، يُصدّر منها نحو 15 ألف طن إلى أوروبا وأمريكا، بعائد يتجاوز 40 مليون دولار.

ولفت العازب إلى أن مركز قطور وحده يزرع ما يقرب من 2500 فدان، يليه مركز طنطا بـ2000 فدان، ثم مراكز المحلة الكبرى والسنطة وكفر الزيات، ما يجعل الغربية رائدة حقيقية في إنتاج هذا المحصول الواعد.

وراء كل نجاح... أعباء ثقيلة

وفي المقابل، حذر الحاج فتحي السعدني، أحد مزارعي الكمون، من ارتفاع تكاليف الزراعة، موضحاً أن تكلفة العمالة اليومية للفدان الواحد تصل إلى 2500 جنيه، إلى جانب أسعار الكيماويات والمبيدات التي تشكل عبئاً ثقيلاً على المزارع.

وأضاف: "نحتاج إلى تدخل حكومي لحماية المزارع من استغلال السوق، وإلزام الموردين بتسعير عادل للأدوية والأسمدة".

وأشار السعدني إلى أن الكمون لا يمكن زراعته في نفس الأرض أكثر من مرتين، تجنباً لإرهاق التربة، ما يضيف تحدياً آخر أمام الاستدامة في الزراعة.

نساء الحصاد.. شريكات في النجاح من البذرة إلى الدراس

في مشهد لا يغيب عن الحقول، تؤدي نساء الغربية دوراً حيوياً في زراعة الكمون ومتابعة نموه. تقول مشيرة عبد العزيز، التي تعمل بالفلاحة منذ 19 عاماً: "نشارك في كل شيء، من سقاية الأرض إلى تقليع الكمون، وحتى نقله إلى الدراس. الزراعة ليست مهنة عابرة، بل أسلوب حياة".

وتشاركها الرأي زميلتها صدفة صديق، التي تؤكد أن النساء يتحملن عبء العمل من رش الكمون وحتى تعبئته. وتقول: "نحفظ تفاصيل كل مرحلة، ونتابع كل خطوة عن قرب. نعمل بضمير، لأن نجاح المحصول يعني رزقاً لبيوتنا".

كمون اليوم.. اقتصاد الغد

وحول مستقبل هذا المحصول، شدد المهندس العازب على ضرورة اختبار نوعية التربة قبل الزراعة، بحيث تكون جيدة التهوية والصرف وخالية من الملوحة. وأكد أهمية الخدمة الجيدة للأرض، واتباع برنامج رش دقيق للمبيدات الفطرية والحشائش على مدى 120 يوماً، وهي مدة نمو الكمون حتى الحصاد.

وأوضح أن عملية الرش قد تصل تكلفتها إلى 20 ألف جنيه للفدان، بجانب الأسمدة والكيماويات، ما يتطلب دعماً فنياً ومادياً من الدولة لضمان استمرار زراعة الكمون وتوسيع مساحاته.