الأرض
الإثنين 11 أغسطس 2025 مـ 03:09 صـ 16 صفر 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

أعفان الجذور تدمر محصول الذرة وتقلل الإنتاج

قال الدكتور عبد الناصر بدوي السيد، وكيل معهد بحوث أمراض النباتات، خلال التحديات الزراعية المتزايدة، تظل الذرة الشامية أحد أعمدة الأمن الغذائي في مصر، في مرمى نيران أمراض فطرية وبكتيرية تهدد إنتاجها عاماً بعد عام. ورغم تطور الوسائل الوقائية والبحث العلمي، إلا أن المعركة مع هذه الأمراض ما زالت مفتوحة، بين جذور ملوثة وتقاوى مصابة وظروف بيئية مثالية لنشاط مسببات المرض.

من التربة تبدأ القصة... ومعها تبدأ الخسائر

وأشار كانت الذرة الشامية تُزرع بثقة في الأراضي المصرية، باعتبارها محصولاً أساسياً يدخل في غذاء الإنسان والحيوان. غير أن هذا الاطمئنان بدأ يتآكل تدريجياً مع ظهور أمراض تهدد نمو النبات وجودة المحصول، لافتاً إلى أن الذرة في مصر تعاني من مجموعة أمراض رئيسية تصيب الجذور والسيقان، وتنعكس مباشرة على إنتاج الحبوب.

ويؤكد أن شدة انتشار هذه الأمراض تتوقف على عوامل عدة، أهمها تلوث التربة بالكائنات الممرضة، ونوع الأصناف المزروعة، وتوافر الظروف البيئية الملائمة لانتشار العدوى. كما تُعد بقايا المحاصيل السابقة المتراكمة فوق التربة من أهم مصادر الإصابة في المواسم الجديدة.

أعفان الجذور.. العدو الخفي للنمو المبكر والمتأخر

في مراحل النمو المختلفة، تواجه الذرة هجومًا شرسًا من أمراض "أعفان الجذور"، سواء في بدايات النمو (البادرات) أو في مراحل متقدمة عند تكوين الحبوب. وتظهر أعراض الإصابة الأولى في شكل اصفرار وتقزم للنبات، ثم ذبول تدريجي مع تقدم المرض.

يتصدر فطر Pythium قائمة الفطريات المسببة لهذه الأعفان، حيث يهاجم الجذور والبذور ويسبب ما يعرف بـ"لفحة وموت البادرات"، ويزداد نشاطه في ظروف سوء التهوية والرطوبة الزائدة الناتجة عن الإفراط في الري، خاصة في الأراضي الثقيلة سيئة الصرف.

من جهة أخرى، تسهم فطريات مثل Fusarium وAspergillus وDiplodia وغيرها في إضعاف الجذور، بل وتمتد أحيانًا إلى الساق مسببة أعفانًا قد تظل كامنة حتى تظهر في المراحل المتأخرة من عمر النبات.

وسائل المواجهة والتقليل من الخطر:

اختيار التقاوى السليمة وتطهيرها بمطهرات فطرية معتمدة.

تحسين عمليات الري والصرف، خاصة في الأراضي الطينية.

عدم خدش البذور، وتوفير بيئة زراعية مناسبة.

التسميد المتوازن، خصوصًا في مراحل النمو الحرج.

عفن الساق.. حين يتحول الجذر إلى نقطة انهيار

من أخطر ما يهدد نبات الذرة الشامية في مصر هو "عفن الساق"، الذي لا يفرق كثيرًا بين مسبب فطري أو بكتيري، بل يهاجم النبات بشراسة في لحظة ضعف بيئية أو زراعية.

أخطر هذه الأمراض هو الذبول المتأخر أو ما يُعرف بـ"شلل الذرة"، الذي يسببه الفطر Cephalosporium maydis. وقد تم اكتشافه لأول مرة في مصر عام 1962، ليصبح منذ ذلك الحين المسبب الأساسي لعفن الساق، ومصدرًا لخسائر تتجاوز في بعض المناطق 30% من المحصول.

تبدأ الأعراض عادة بعد التزهير، حيث تذبل الأوراق، وتظهر خطوط بنية على الساق، يعقبها جفاف تام للنبات وموته. وغالبًا ما يكون تأثير المرض فادحًا لدرجة تمنع تكوّن الكيزان أو تؤدي إلى إنتاج حبوب ضامرة بلا قيمة اقتصادية.

استراتيجيات المقاومة الموصى بها:

التبكير في الزراعة لتفادي فترات انتشار المرض.

الانتظام في الري، خصوصًا وقت التزهير.

عدم استخدام تقاوي مأخوذة من نباتات مصابة.

زراعة الأصناف المقاومة التي ينتجها مركز البحوث الزراعية، مثل الهجن الفردية والثلاثية.

تجنب عمليات التوريق وتطويش النباتات.

العفن البكتيري.. حين تُفتح الجروح ويُهاجم الجسد

رغم أنه أقل انتشارًا وخطورة من الذبول المتأخر، إلا أن عفن الساق البكتيري يظل تهديدًا قائمًا، خاصة في المناطق التي تعاني من رطوبة عالية وتعرضت لرش مكثف بالمبيدات. يسببه ميكروب Erwinia chrysanthemi pv. zeae، وتظهر أعراضه في شكل تحلل لزج ذو رائحة كريهة في سلاميات الساق القاعدية، ما يؤدي إلى سقوط النبات وموت المحصول بالكامل.

توصيات المقاومة تشمل:

تحسين صرف المياه في التربة.

الاعتدال في الري وتفادي تجريح النبات.

مكافحة الحشرات الثاقبة التي تسهل دخول الميكروب.

استخدام أصناف مقاومة للمرض.

الحاضر: بين وعي المزارعين وجهود الباحثين

اليوم، وعلى الرغم من استمرار التحديات، فإن هناك جهودًا بحثية واسعة تبذلها مؤسسات مثل معهد بحوث أمراض النباتات بالتعاون مع مركز البحوث الزراعية، تهدف إلى تطوير أصناف جديدة مقاومة للأمراض، وتحسين التوعية الزراعية، ونشر التوصيات الفنية بين المزارعين.

كما بدأت بعض الشركات الزراعية في توزيع هجن مقاومة للأمراض الفطرية والبكتيرية، ما أسهم في تقليل الخسائر النسبية في عدد من المناطق.

المستقبل: علم يتقدم.. ومحصول آمن في الأفق

يتجه المستقبل الزراعي في مصر نحو تعزيز استخدام التقنيات الحديثة في التشخيص المبكر للأمراض، وتوسيع نطاق زراعة الهجن المقاومة، وربط بيانات التربة بالممارسات الزراعية الذكية للحد من تفشي العدوى.

ويؤكد د. عبد الناصر بدوي أن نجاح مقاومة أمراض الذرة لا يتوقف فقط على جهود الباحثين، بل يبدأ من الحقل ذاته، حيث الوعي والإدارة الجيدة هما الخط الأول للدفاع عن محصول يمثل ركيزة غذائية واقتصادية.

المعركة مستمرة... ولكن الأمل أقوى

ما بين جذور الذرة وساقها، تكمن معركة غير مرئية، تخوضها نباتات الذرة كل موسم ضد طفيليات دقيقة، قد لا تُرى بالعين، لكن آثارها محسوسة في المحصول والدخل. ومع استمرار الجهود البحثية والتطبيقية، هناك أمل كبير في تحويل هذه التحديات إلى فرص لتعزيز إنتاج آمن ومستدام، يُلبّي طموحات المزارع المصري، ويضمن الأمن الغذائي للبلاد.