عنب السنطة يشعل المنافسة ويطيح بزبيب إيران

يحتل مركز السنطة بمحافظة الغربية، مكانة متقدمة على خارطة الزراعة المصرية، بعدما رسّخ اسمه كأكبر مركز لإنتاج العنب على مستوى الجمهورية. فعلى مدى عقود، تحوّل العنب إلى أكثر من مجرد فاكهة موسمية، ليصبح مصدر الرزق الأول، ونمط حياةٍ متجذر في وجدان أهالي المنطقة.
ماضٍ من العراقة وتاريخ ممتد
منذ عشرات السنين، تربّت أجيال من أبناء السنطة على زراعة العنب، مهنةٌ توارثها الأبناء عن الآباء، حتى باتت سمة أساسية للمنطقة. وتحوّلت مئات القرى إلى حقولٍ مترامية الأطراف، تكسوها عناقيد العنب البناتي، والفليم، والكينج، والاسبريو، وغيرها من الأصناف التي أصبحت تُزرع بخبرة متقنة ومهارة فنية عالية.
اليوم، تمتد زراعات العنب في السنطة على مساحة تتجاوز 11 ألف فدان، لتتربع على عرش زراعة العنب في مصر، وتتفوق من حيث الكمية والجودة، خاصة في إنتاج الزبيب المصري الذي ينافس الزبيب الإيراني الشهير، بل يتجاوزه في الطعم والنقاء.
حاضرٌ من التوسع والإنتاج
في ظل الطلب المتزايد على العنب المصري وزبيبه الفاخر، لم يكتفِ المزارعون بمساحات السنطة، بل حملوا خبراتهم إلى مشروعات التوسع الزراعي الكبرى، وعلى رأسها مشروع المليون ونصف فدان. حيث اتجه العديد من أبناء السنطة إلى صحراء المنيا، والنوبارية، والبحيرة، والحمام، وبرج العرب، لتأسيس مزارع عنب على نطاق أوسع، مدعومة بأحدث أساليب الري والزراعة.
يقول يوسف الشوربجي، أحد أبرز مزارعي العنب بالسنطة، إن العنب البناتي يظل الأبرز والأكثر طلبًا، كونه يدخل في صناعة الزبيب المصري عالي الجودة، الذي يُنقل من صعيد مصر إلى مصانع التجفيف بالسنطة، قبل أن يُصدّر إلى عدد من الدول العربية والأوروبية.
من جانبه، أوضح المهندس أنس الشوربجي، صاحب مزارع عنب بمحافظتي المنيا والبحيرة، أن دورة زراعة العنب تبدأ من شهر يناير، حيث تتم زراعة الشتلات، ويبدأ أول إنتاج بعد عام ونصف تقريبًا، بإنتاج أولي يتراوح بين 3 إلى 6 أطنان للفدان، فيما يرتفع الإنتاج تدريجيًا في المواسم التالية ليصل إلى 10 - 15 طنًا.
وأضاف أن موسم الجني يمتد على مراحل: يبدأ في يونيو بمحافظة المنيا، ثم ينتقل في يوليو إلى النوبارية، ويستكمل في أغسطس وسبتمبر بمزارع الحمام وبرج العرب، لضمان توفير العنب بشكل متواصل للأسواق والمصانع.
مستقبلٌ واعد.. وزبيب مصري على موائد العالم
لا تتوقف طموحات مزارعي العنب عند حدود السوق المحلية. فمع التوسع في الإنتاج، وزيادة جودة المنتج، بدأت صادرات الزبيب المصري تجد لنفسها موطئ قدم في أسواق دولية كبرى، خاصة في منطقة الخليج العربي وبعض الدول الأوروبية، التي باتت تعتمد على الزبيب المصري بديلاً منافسًا للمنتجات الإيرانية والتركية.
ويرى مزارعو السنطة أن مستقبل العنب المصري مرهون بتطوير سلاسل التوريد، ودعم عمليات التصنيع والتعبئة والتصدير، فضلًا عن توفير حوافز لتوسيع الرقعة الزراعية، وتحسين طرق التخزين والنقل، بما يضمن الحفاظ على جودة المنتج حتى يصل إلى المستهلك الخارجي.
زراعة العنب في السنطة.. نموذج للنجاح المصري
تجربة السنطة في زراعة العنب لا تعكس فقط قصة نجاح زراعي، بل تقدم نموذجًا يحتذى به في كيفية توظيف الموروث الزراعي في تحقيق التنمية الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، والمساهمة في دعم الاقتصاد القومي من خلال التصدير.
إنها ليست مجرد قرى تزرع العنب، بل منظومة إنتاج متكاملة تبدأ من الأرض وتنتهي على موائد المستهلكين في الداخل والخارج، لتثبت أن العنب المصري – بفضل عرق المزارعين وإصرارهم – قادر على أن يكون سفيرًا للمنتجات الزراعية المصرية في العالم.