الأرض
السبت 2 أغسطس 2025 مـ 04:27 صـ 7 صفر 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

كيف تخطط مصر لإنهاء استيراد السكر نهائيًا بحلول 2026؟

بنجر السكر البديل الاستراتيجي
بنجر السكر البديل الاستراتيجي

أكد الدكتور حازم سرحان، مدير معهد بحوث المحاصيل السكرية، أن قصب السكر، رغم كونه أحد المحاصيل الاستراتيجية المهمة، إلا أنه يمثل تحديًا كبيرًا في إدارة الموارد المائية، إذ يُعرف داخل الأوساط الزراعية بـ"المُذنب البري" بسبب استهلاكه المفرط للمياه.

وأوضح أن فدان القصب الواحد ينتج ما بين 12 إلى 15 طنًا من القلوح، وهي بقايا تستخدم كعلف للمواشي، وتُعادل تقريبًا 18 قيراطًا من البرسيم، ما يضع عبئًا إضافيًا على الموارد الزراعية.

وأشار سرحان إلى أن الدولة تعمل على تجاوز هذا التحدي من خلال رفع إنتاجية وحدة المساحة بدلاً من التوسع الأفقي غير المجدي، وذلك عبر استنباط أصناف جديدة من القصب مقاومة للجفاف والملوحة والأمراض، إلى جانب تحسين كفاءة المياه وتعزيز الاستفادة من كل قطرة تُروى بها الأرض.

بنجر السكر.. البديل الاستراتيجي

في المقابل، يشهد محصول بنجر السكر إقبالًا كبيرًا كونه أكثر مرونة في الزراعة، حيث يمكن زراعته في مختلف أنواع التربة، بما في ذلك الأراضي المستصلحة حديثًا. ونجح معهد بحوث المحاصيل السكرية في استنباط أكثر من 12 صنفًا محليًا من البنجر، أبرزها الصنف «س9» الذي يُزرع على نحو ثلث المساحة المزروعة، وصنف «جيزة 4» المعروف بإنتاجيته العالية، ويغطي 2 إلى 3% من المساحات.

ويقوم المعهد بتنظيم برامج تدريبية وإرشادية متواصلة تستهدف المزارعين في مختلف المحافظات، بهدف تعميم هذه الأصناف وتحقيق أعلى معدلات إنتاجية ممكنة من وحدة الأرض، وهو ما يُعزز العائد الاقتصادي ويرفع كفاءة الزراعة المحلية.

مصانع جديدة تقود الصناعة نحو الاكتفاء

على صعيد الصناعة، تشهد مصر تحركًا واسعًا لتعزيز البنية التحتية لمصانع إنتاج السكر، حيث يجرى تشغيل ثمانية مصانع رئيسية لاستخراج السكر من القصب، في حين برز مصنع "القناة للسكر" بمحافظة المنيا كأضخم كيان صناعي في الشرق الأوسط، ومن المنتظر أن تصل طاقته الإنتاجية إلى 900 ألف طن سنويًا فور تشغيل خطه الثاني.

ويساهم هذا المشروع في تقليص فجوة الاستيراد التي ظلت لعقود تتراوح بين 700 ألف ومليون طن سنويًا، خاصة في ظل تراجع أسعار السكر عالميًا إلى نحو 400 دولار للطن بعد أن كانت تلامس 650 دولارًا، ما يمنح مصر فرصة استراتيجية لتعزيز الإنتاج المحلي وتخفيف الضغط على الميزان التجاري.

الشتلات تقود الثورة الزراعية

ومن بين أبرز المبادرات في هذا الإطار، إنشاء محطات متخصصة لإنتاج شتلات القصب بهدف رفع متوسط الإنتاجية من 40 إلى 50 طنًا للفدان. وقد بدأ تشغيل محطة "كوم أمبو" في أسوان بطاقة 15 مليون شتلة سنويًا، بينما يجرى إنشاء محطة أخرى في وادي الصعايدة لدعم التوسع المستقبلي.

دعم حكومي شامل للمزارعين

من جانبه، أوضح الدكتور مصطفى عبد الجواد، رئيس مجلس المحاصيل السكرية بمركز البحوث الزراعية، أن الحكومة تعمل بشكل متكامل على دعم المزارعين عبر توفير الأسمدة، ومكافحة الآفات الحشرية، وتطوير أساليب الزراعة، لافتًا إلى أن معظم مصانع قصب السكر تعمل حاليًا بطاقة لا تتجاوز 60%، ما يتطلب توسيع الرقعة المزروعة لتشغيلها بكامل طاقتها.

وأشار إلى أن هناك توجهًا لتحويل بعض مصانع القصب القديمة –مثل مصنعي جرجا ودشنا– إلى خطوط إنتاج مزدوجة تُعالج كلًا من البنجر والقصب، وهو ما يفتح المجال لتعظيم الإنتاج والاستفادة من البنية التحتية القائمة.

التحديات الميدانية وصوت الفلاح

على الأرض، يواجه المزارعون عددًا من التحديات التي تؤثر على استقرار زراعة المحاصيل السكرية، أبرزها انخفاض أسعار التوريد مقارنة بتكاليف الإنتاج، وارتفاع أسعار التقاوي والعمالة والأسمدة، بالإضافة إلى تأخر استلام المحصول من قبل المصانع. ويطالب الفلاحون برفع أسعار التوريد بما يتناسب مع حجم الجهد المبذول والتكاليف الفعلية، لضمان استدامة الزراعة وتحقيق العائد المجزي.

اقتصاد زراعي.. وأمن غذائي مستدام

يرى الدكتور أشرف كمال، أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز البحوث الزراعية، أن الدولة قطعت شوطًا كبيرًا في طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي من السكر، إذ وصلت نسبة الاكتفاء حتى مارس 2025 إلى نحو 81%، ومن المتوقع أن تبلغ 100% بحلول عام 2026، بإجمالي إنتاج يصل إلى 2.9 مليون طن.

وأكد كمال أن هذه الإنجازات تمثل نقلة نوعية في مسار الأمن الغذائي المصري، وتعزز قدرة البلاد على توفير العملة الصعبة، سواء من خلال تقليل فاتورة الاستيراد أو التوسع في التصدير، لافتًا إلى أن القطاع الزراعي بات أحد أبرز الحلول لمواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية.

وفي السياق ذاته، أكد حسن فندي، رئيس شعبة السكر والحلوى باتحاد الصناعات، أن إنتاج السكر المحلي يبلغ حاليًا نحو 2.8 مليون طن، وسيرتفع إلى ما يزيد عن 3 ملايين طن مع اكتمال تشغيل مصنع "القناة للسكر"، موضحًا أن الفرق بين السكر الناتج عن البنجر أو القصب من الناحية الصناعية لا يُذكر، وهو ما يتيح مرونة كبيرة في التصنيع والتوزيع.

خطة 2026: الاكتفاء الكامل والتصدير

تشير المعطيات إلى أن مصر بصدد إعلان تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل من السكر في عام 2026، بعد عقود طويلة من الاعتماد على الاستيراد. وتُعد هذه الخطوة إحدى أهم مخرجات الخطة الاستراتيجية الشاملة لتطوير قطاع الزراعة والصناعة، والتي تتضمن التوسع في زراعة بنجر وقصب السكر، وإنشاء محطات شتلات حديثة، وتحديث خطوط الإنتاج في مصانع الوجه البحري والصعيد، لرفع الإنتاج إلى 2.9 مليون طن سنويًا، وتوفير مئات الملايين من الدولارات.

بداية الموسم الجديد وتوسيع المساحات

مع بداية أغسطس، تنطلق الاستعدادات للموسم الجديد من زراعة البنجر، وسط توقعات بزيادة المساحة المزروعة إلى 750 ألف فدان، مقابل 600 ألف العام الماضي، وهو ما يمثل نموًا بنسبة 25%. كما خصصت الدولة نحو 16 مليار جنيه لدعم زراعة القصب، و7 مليارات لدعم العمليات الصناعية المرتبطة به، بهدف تعزيز الإنتاجية وتحقيق طفرات في المحاصيل الاستراتيجية.