”الزراعة على الأبيض”.. قنبلة موقوتة تهدد الأمن الزراعي المصري

حذر المهندس محمد الجوهري، استشاري المحاصيل الزراعية، من تفشي نمط الزراعة غير المخطط لها، مؤكدًا أن الاعتماد على التمويل البنكي أو التجاري دون وجود خطة إنتاجية وتسويقية يؤدي إلى نتائج كارثية.
وقال الجوهري: "الزراعة دون معرفة بالطلب الحقيقي في الأسواق المحلية أو الدولية تُسفر عن تخمة في المعروض، وتؤدي إلى انهيار الأسعار، وبالتالي وقوع خسائر جماعية، كما حدث مرارًا في محاصيل مثل البصل، البطاطس، الطماطم، والعنب".
"الزراعة على الأبيض"... استنزاف للمحاصيل والجودة
واعتبر الجوهري أن أخطر ما يواجه القطاع حاليًا هو ما يُعرف بـ"الزراعة على الأبيض"، وهو مصطلح يشير إلى اعتماد بعض المزارعين على التمويل الآجل أو التسهيلات البنكية دون إدراك حقيقي لقيمة المحصول أو متطلبات السوق.
وأضاف: "هذا النمط يفرّغ العملية الزراعية من معناها، ويُضعف من جودة المحصول، حيث لا يهتم المزارع بالتسويق أو الإنتاجية، ما يؤدي إلى خسائر مضاعفة".
غياب العدالة في المنظومة التمويلية
لفت الجوهري إلى أن بعض المزارعين أصبح شعارهم "عليّ الدفع حين ميسرة"، دون أي التزام واضح بسداد القروض أو الحفاظ على قيمة التمويل، في وقت يتحمّل فيه التاجر أو المستثمر أو الجهة الممولة وحدها تبعات الفشل.
وأكد أن هذا الوضع يخلق خللًا في موازين العدالة الاقتصادية، حيث يتعاطف المجتمع مع الفلاح دون النظر إلى الطرف الآخر من المعادلة، لافتاً يواجه القطاع الزراعي في مصر خطرًا حقيقيًا يهدد استقراره واستدامته، يتمثل في التوسع العشوائي في الزراعة دون دراسة جدوى أو رؤية سوقية واضحة، وهي ظاهرة وصفها خبراء بأنها "قنبلة موقوتة" تهدد منظومة الزراعة برمتها.
رؤية استراتيجية.. لا تمويل فقط
وأكد الجوهري أن الزراعة لا يجب أن تُعامل كقطاع تمويلي فحسب، بل ينبغي أن تُدار بعقلية اقتصادية ومحاسبية دقيقة، مشددًا على أن التوسع في المساحات لا يكفي ما لم يصاحبه وعي تسويقي وخطط مدروسة مبنية على دراسات سوق وتحليل فني للمحاصيل.
وأضاف: "أخطر ما يمكن أن يحدث هو تمويل شخص يزرع دون أي معرفة حقيقية، أو مزارع يكرر نفس الأخطاء دون أن يتعلم من الماضي".
دعوة للإرشاد والدعم الفني
واختتم الجوهري تصريحاته بدعوة واضحة لتفعيل دور الإرشاد الزراعي، وتقديم الدعم الفني قبل التفكير في أي تمويل مالي، خصوصًا في المحاصيل الحساسة مثل الفراولة والبصل والطماطم، مؤكدًا أن الاستثمار في المعرفة الزراعية هو الضمان الوحيد لتحقيق عوائد حقيقية وحماية الاقتصاد الزراعي من الانهيار.