الخميس 25 أبريل 2024 مـ 12:25 مـ 16 شوال 1445 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

200 جنيه متوسط اليومية لجمع 300 كجم

فيديو: ”جمع الزيتون”.. أهل الفيوم يضربون الماكينات بالقاضية .. وغياب الدولة يُفقِد ”الذهب الأخضر” قيمته الاقتصادية

- خسارة 2 مليون يومية عمل في موسم جمع زيتون 2020 بسبب الإنتاجية المنخفضة

- معادلة محيرة: جودة + إنتاجية منخفضة = سعر رخيص

- خسائر تضطر المزارعين إلى تخليع الشجرة المباركة أو بيع الأراضي

- اقتحام سوق التصدير من عديمي الخبرة يسيء إلى سمعة الزيتون ويضرب أسعاره في الخارج

- ألاعيب تجار للإعلان عن أسعار مضحكة لزيت الزيتون المصري البكر

- غياب الأب الشرعي لأي محصول أو مُنتَج يبخس ثمنه.. ولا تعاونيات لسلاسل إنتاج الزيتون واستهلاكه

- مصانع عملاقة لتجهيز الزيتون وتصديره بعلامة مصرية لإعادة الثقة

- خبيرة تونسية: مصر لديها ميزة نسبية في الإنتاجية والجودة لكنها غير مستغلة تسويقيا

- الخولي: مطلوب حملات توعوية للمستهلك المصري ضد زيت الزيتون المستورد الرديء وباهظ الثمن.

انتصف موسم جمع الزيتون، محققا نوعا من الخيبة لشباب الفيوم الذين ارتبطت بهم حرفة "جمع محصول" لم ينجح بعد 40 عاما من زراعته في مصر، في الاحتفاظ بلقب "الذهب الأخضر".

 

وتتجسد الخيبة بخسارة سوق العمل هذا الصيف، أكثر من مليوني يومية عمل، بمتوسط 200 جنيه ليومية الإنتاج في مجال جمع الزيتون، بسبب تراجع الإنتاجية المحصولية هذا العام، بنسبة لا تقل عن 65٪، وفق لتقديرات حقلية على أرض الواقع.

 

الإحصائيات الرسمية الفعلية

محمد ربيع فتيح - أحد أكبر مقاولي جمع الزيتون (من محافظة الفيوم)، يؤكد أن الإحصاءات الرسمية للحاصلات التي تُجمع يدويا، لا نأخذها إلا من دفاتر مقاولي الجمع، موضحا أن الإنتاجية هذا العام تتراوح بين 10 و30٪ من إنتاجية العام الماضي.

أنا محمود (شاب من إحدى قرى مركز بشواي - محافظة الفيوم، يعمل منذ ستة أعوام في مهنة "لم الزيتون"، ووصل فيها إلى أعلى مرتبة في سلم الإنتاجية، حيث تمكن من إحراز 14 صندوقا (زنة الصندوق 22 كجم)، أي أنه يجمع وحده نحو 300 كجم يوميا، (63 قرشا للكيلو)

ومع الصبر، والحديث لمحمود، يستطيع العامل الخبير بالمهنة (الشاقة/ الشيقة) تأمين متوسط يومية يبلغ 200 جنيه، خلال موسم طويل يمتد نحو 135 يوما، وقد يصل إلى 150 يوما لحين الانتهاء من الأصناف الزيتية.

ويتحسر محمود على موسم 2019، حيث كان حصاده اليومي نحو 20 صندوق، "وكان سعر الصندوق 15 جنيها"، أي أن متوسط الحصيلة يوميا كان 300 جنيه.

ويؤكد محمود أن أكثر من 60٪ من عمالة جمع الزيتون لم يبرحوا قراهم هذا العام، بسبب تراجع الطلب عليهم، "ومعظمهم ينتظر ولو 30 يومية هذا الموسم".

 

الجمع الآلي للزيتون

لم ينزعج شباب الفيوم من إدخال تكنولوجيا جمع الزيتون، مؤكدين أن مهنتهم لا منافس لها، "مهما بلغت فنون العلم في الابتكار"، لأن حبة الزيتون غضة، وأحيانا تتعرض للخدش بالأيدي، "فما بالنا بالضرب والهز بالملاقط المعدنية، أو حتى تلك المدعومة بالمطاط؟".

هكذا يرد محمد ربيع فتيح (مقاول جمع زيتون)، حيث يرى أن ماكينات جمع الزيتون لم تفلح حتى الآن إلا في جمع الأصناف الزيتية، شرط أن يكون خط العصر قريبا من المزرعة، حتى لا تتعرض الثمار للأكسدة، وبالتالي ارتفاع درجة الحموضة، ومعها تراجع جودة الزيت.

ويؤكد فتيح أن أهل الفيوم يحق لهم بجدارة أن يفتخروا بأن الله حباهم بالشجرة المباركة، التي وجدِت في الفيوم، كما وجِدت على جدران المقابر الفرعونية، "فأصبحت من زراعاتهم المرغوبة"، وبالتالي سبقوا أهل الأرض جميعا في التعرف عليها، كأصناف، واحتياجات، وكذلك زراعة وخدمة وحصادها وتصنيعا وتسويقا.

 

مصدر الخيبة

خيبة موسم 2020 تعم العاملين في مجال صناعة الزيتون بشكل عام، بداية من المزارع، حتى التاجر، والمصنِّع والمصدِّر، ومعهم عمال الجمع أيضا، حيث يمتص هذا الموسم جميع العمالة من عمر 8 سنوات وحتى ما فوق الستين من عمره.

يقول المهندس صبحي ليلة استشاري زراعة الزيتون، إن الإنتاجية هذا الموسم تتراوح بين 10 و25٪ لمعظم المزارع "يستوي في ذلك المزارع الجاد والمهمل"، ومع ذلك، لم تحقق الأسعار الحصيلة الآمنة، أو الحد الذي يحقن الخسائر لجميع الحلقات، وذلك لعدم وجود جهة رسمية أو أهلية أو تعاونية تهتم بتسويق الزيتون، داخليا، وخارجيا.

ويؤكد ليلة أن الإنتاجية الضعيفة تؤثر سلبا على الحلقة الأضعف في هذا المجال، وهي حلقة عمال الجمع، وذلك لعدم توافر الكمية المعتادة من المحصول سنويا، فيتعرض معظمهم للانتظار في خانة الانتظار، وربما البطالة.

وتوقع ليلة ألا يزيد إنتاج مصر هذا العام على 250 ألف طن زيتون مائدة، و25 ألف طن زيتون زيت، ما يعني أن "الزيت المصري" لن يزيد هذا العام على 4000 طن، وهي كمية لا يشعر بها مؤشر الإنتاجية العالمية.

 

المعادلة المحيّرة .. والسوق العالمية

ويتعجب مزارعو الزيتون من المعادلة المحيرة التي تُظهِر خللا كبيرا في المفهوم الاقتصادي، حيث ظهرت "ألاعيب" وصفها المهتمون بهذه الصناعة بوصف "الحيل السامة"، وذلك بالإعلان عن أسعار استلام زيت الزيتون المصري البكر الطازج، بثمن بخس، يتساوى مع أسعار زيوت الذرة وعباد الشمس والنخيل (31 جنيها للبونط)، في ظل توقع انهيار إنتاجية زيتون الزيت في إسبانيا، مخلفا عجزا إجماليا يقدر بنحو 500 ألف طن في إنتاج أسبانيا وحدها.

وقال الخبير الدولي الدكتور منجي مسلم، استشاري المجلس الدولي للزيتون، إن العوامل المناخية وأزمة جائحة كورونا، تسببت مجتمعة في تراجع المحصول، سواء على صعيد زيتون المائدة، أو الأصناف الزيتية، مؤكدا أن السوق في صالح زيوت منطقة شمال أفريقيا، "شرط الالتزام بالجودة".

هاجر شويخ الخبيرة التونسية ومسؤولة مختبر ومراقبة جودة بشركة تصدير زيت زيتون عالمية، ترى أن مصر في حاجة إلى منظومة متخصصة في تسويق إنتاجها من الزيتون والزيت، "لاستثمار القيمة المضافة والامتيازات النسبية التي حققتها على صعيد الإنتاج والجودة، خلال الأعوام الماضية.

 

ألاعيب تسويقية مخربة

المهندس محمد الخولي الخبير الدولي في مجال زراعات الزيتون، وصف محاولات بعض إدارات معاصر الزيتون في مصر، بأنها "ألاعيب" مخربة، تتطلب المواجهة الرسمية من الدولة، "كونها محاولات لضرب الاقتصاد القومي، والإساءة إلى مُنتَج يوصف كغذاء صحي ودواء".

ويؤكد الخولي أنه في ظل عدم وجود أي كيان شرعي لمحصول الزيتون، سيتعرض للتدمير، وسوف يُقلِع مزارعوه عن الاهتمام به، لينضم بحسرة إلى الخيبات التي طالت معظم حاصلاتنا الزراعية، "فنجد عزوفا عن إضافة مساحات جديدة، أو هرولة نحو تخليع الأشجار، كما سبق منذ نحو عامين لأشجار البرتقال).

ويرى الخولي أنه لا سبيل للنهوض بهذا المحصول وغيره، إلا بتشجيع التعاونيات النوعية، التي تربط بين سلاسل الإنتاج، ومعامل التصنيع، ومنافذ التوزيع للمستهلك المستهدف، "والأخير تلزمه توعية عالية الكثافة الإعلامية"، كي يُفرِّق بين ما هو زيت زيتون بدرجاته، وما هو زيت مغشوش"، مفيدا أن المستهلك يفضل شراء العبوة المكتوب عليها "مستورَد"، دون علمه بأن محتواها لا يُصنَّف علميا على أنه زيت زيتون.

 

أساس المشكلة

أحد التجار الذين هجروا مهنة تصنيع الزيتون وتصديره، قال في تصريح خاص بموقع "الأرض"، إن ضرب سمعة الزيتون المصري في دول العالم، ربطت سعر تصديره عن سقف محدد، لا يغطي تكاليفه الكلية، إذا ارتفعت حلقته الأولى الخاصة بسعر المحصول للمزارع.

ويرى الرجل (الذي طلب عدم ذكر اسمه)، أنه طالما وقفت الملحقيات التجارية في الخارج عند مستوى خدمة الفرص التجارية المبرمة سابقا، سوف لن يتقدم القطاع الإنتاجي في مصر، على الرغم من أن الإنتاج هو الأب الشرعي للاقتصادات الناشئة في العالم.

وأكد المُصدِّر نفسه، أنه أقلع عن مهنة الاتجار بالزيتون أو مشتقاته، بعد أن تأكد من دخول غير المتخصصين في دائرة التصدير، "فأضروا بأنفسهم أولا، ثم بسمعة المُنتَج المصري، سواء بالغش في المواصفات، أو من خلال المضاربة السلبية على الأسعار".

 

محاولات جادة

على الجانب الآخر، شهدت سوق صناعة الزيتون تجارب واعدة حملت على عاتقها مهمة تحسين صورة الزيتون المصري، فأنشأ أصحابها مصانع عملاقة، وفقا لأحدث تكنولوجياالتصنيع الغذائي، ما أهلها لحصد شهادات جودة أمريكية وأوروبية، تتجاوز مواصفات "هيئة سلامة الغذاء" المصرية، التي توصف من المتعاملين معها بوصف "ملكي أكثر من الملك".

ويرى أصحاب التجارب الحميدة في هذا المجال، أن استثماراتهم المقدرة بمئات الملايين لن تترك ثغرة للسلبيات، حفاظا على الأسواق التي أضاعوا سنوات طويلة من أعمارهم في فتحها، وتساهم في جلب العملة الصعبة كمقابل للصادرات الزراعية والغذائية المصرية.

وتفيد هذه المصانع العملاقة، في تحقيق القيمة المضافة للزيتون، حيث يتم تخليله وتصنيعه وتعبئته في عبوات مخصصة لعملاء محليين، ودوليين، وفقا لطلبيات المستوردين، وذوق المستهلك، سواء في الداخل أو الخارج.

 

المنتَج النهائي مكسب للمزارع والدولة

ويعود المهندس محمد الخولي لتقييم هذه التجارب الكبرى، حيث يرى أن تصدير الزيتون في البراميل، يُشبه تصدير المنتجات بدرجة "خام"، أو "زهر"، كما في القطن، مفيدا أن تصدير كيلو القطن الشعر لا يزيد على 3.5 دولار، فيما يدر الكيلو المغزول نحو 50 دولارا، كما يتضاعف سعره المنسوج في صورة قماش نهائي.

ويطالب الخولي بتشجيع إقامة المشاريع التصنيعية الحديثة، التي تعمل في مجالات: التخليل، التدريج، الخلي، التشريح، التطعيم بالجزر واللبنة والمكسرات، ثم التعبئة في عبوات نهائية مدموغة بشعار الشركة، وبختام "صنع في مصر".

ويتعجب الخولي من خلل المعادلة بين تحقيق أعلى جودة هذا العام، مع السعر البخس الذي يربط محصول الزيتون برابطة الخسارة، ما يجعل الكثيرين منهم يعزفون عن زراعته، أو تخليعه، أو هجر الزراعة نهائيا، "وهو ما يفسر تنامي ظاهرة عرض الأراضي للبيع ".