منتجات اللحوم والأسماك تواجه أزمة أكسدة.. تفاصيل حادة

تتسارع الصناعات الغذائية العالمية نحو حلول مبتكرة لمواجهة خطر صامت يتسلل إلى الأطعمة الحيوانية ويهدد جودتها وقيمتها الغذائية: الأكسدة.ففي ظل تزايد الوعي الصحي وتغير توجهات المستهلكين نحو الأغذية الآمنة والطبيعية، تُطرح مضادات الأكسدة الطبيعية كخيار استراتيجي وفعّال لحماية اللحوم والدواجن والأسماك من التدهور، والحفاظ على طزاجتها ومظهرها ونكهتها.
الأكسدة.. العدو الخفي في المنتجات الحيوانية
قال الدكتور عاطف عشيبة، وكيل معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية بمركز البحوث الزراعية، إن عمليات الأكسدة خاصة أكسدة الدهون والبروتينات، تعد من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تدهور جودة اللحوم والأسماك والدواجن. ويكمن الخطر في أن المكونات التي تمنح هذه المنتجات قيمتها الغذائية العالية، مثل الأحماض الدهنية غير المشبعة والفيتامينات، هي نفسها الأكثر عرضة للتأكسد.
وتؤدي هذه التفاعلات إلى تغيّر اللون، فقدان الطعم والنكهة، تراجع القوام، وانخفاض القيمة الغذائية، بل وتُقصر من فترة الصلاحية، مما يرفع نسب الهدر الغذائي والخسائر الاقتصادية.
أهم التأثيرات السلبية للأكسدة:
1️⃣ أكسدة الدهون وتكوّن مركبات التزنخ:
تؤدي الأكسدة إلى تحلل الدهون وتكوين مركبات كيميائية ضارة، مثل البيروكسيدات والألدهيدات، تسبب روائح كريهة وطعوم غير مرغوبة، وتُعرف هذه الظاهرة بالتزنخ.
وتعتبر الأسماك أكثر حساسية لهذا النوع من التدهور نظرًا لغناها بأحماض DHA وEPA.
2. أكسدة الميوجلوبين وفقدان اللون:
يتحوّل الميوجلوبين المسؤول عن اللون الأحمر في اللحوم إلى "ميت-ميوجلوبين" البني غير المرغوب فيه بفعل الأكسدة، ما يقلل من جاذبية المنتج للمستهلك، رغم سلامته الصحية.
3️⃣ تدهور الجودة الحسية:
تؤثر الأكسدة على الطراوة والعصيرية، وتزيد من صلابة المنتج، مع تغيّر النكهة الطبيعية خاصة في الأسماك والدواجن، ما يؤدي لانخفاض التقبل الحسي.
4️⃣ انخفاض القيمة الغذائية:
يُسبب التحلل التأكسدي فقدان الأحماض الدهنية الأساسية والفيتامينات الذائبة في الدهون (مثل E وA)، ما يقلل من الفوائد الصحية المرتبطة بتلك المنتجات.
5️⃣ تقليص فترة الصلاحية وزيادة الهدر:
بسبب التدهور السريع في اللون والرائحة والنكهة، تُجبر الشركات على التخلص من المنتجات قبل استهلاكها، ما يفاقم الهدر الغذائي.
مضادات الأكسدة الطبيعية... الحل الآمن والمستدام
أوضح الدكتور عشيبة أن التوجّه العالمي اليوم يتمحور حول استخدام مضادات الأكسدة الطبيعية، التي لا تكتفي بتأخير التفاعلات الضارة، بل تُحسّن الجودة الحسية وتُطيل فترة الصلاحية دون آثار جانبية.
طرق استخدام مضادات الأكسدة في الصناعات الغذائية الحيوانية:
1. الإضافة المباشرة للمنتجات:
يُعد دمج مستخلصات طبيعية مثل (الشاي الأخضر، إكليل الجبل، قشر الرمان، الكركم، القرنفل، الفيتامينات E وC) في اللحوم المفرومة والسجق والبرجر من أكثر الطرق شيوعًا.
مثلًا: إضافة مستخلص قشر الرمان قللت من التزنخ بنسبة 60% في الدواجن المخزنة مبردًا.
الشاي الأخضر ساعد في الحفاظ على النكهة وتقليل الأكسدة في الأسماك المجمدة.
2. إضافة مضادات الأكسدة للعلائق:
يتم تضمين المركبات المضادة للأكسدة في أعلاف الحيوانات والدواجن والأسماك، مما يزيد من ترسيبها في الأنسجة ويُحسّن من استقرار المنتج بعد الذبح.
تدعيم علائق الدواجن بفيتامين E حسّن من استقرار اللون والطعم أثناء التخزين.
علائق الأسماك المدعّمة ساهمت في رفع جودة الدهون غير المشبعة والحفاظ على القيمة الغذائية.
3. التغليف النشط (Active Packaging):
يُدمج مستخلصات مضادة للأكسدة ضمن مواد التغليف نفسها (مثل الأفلام البلاستيكية)، لتُطلق موادًا فعالة تدريجيًا أثناء التخزين.
تغليف اللحوم بأفلام مدعّمة بإكليل الجبل خفّض مؤشرات الأكسدة بنسبة 50%.
الزيوت العطرية (كالقرنفل والقرفة) أظهرت فاعلية مزدوجة ضد الأكسدة والبكتيريا.
4. الأغشية الصالحة للأكل (Edible Coatings):
طبقة طبيعية تغلف سطح المنتج (مثل الكيتوزان المدعّم بمضادات الأكسدة)، تحمي من الأكسجين وتُثبّط نمو البكتيريا.
أظهرت فاعلية عالية في اللحوم والدواجن والأسماك، مع الحفاظ على اللون والنكهة والطراوة.
ساعدت في إطالة الصلاحية دون التأثير على الجودة الحسية.
الأهمية الاقتصادية والبيئية:
التحكم في التفاعلات التأكسدية لا يُعد فقط مطلبًا صحيًا، بل ضرورة اقتصادية واستراتيجية:
تقليل الفاقد الغذائي
الحفاظ على الموارد الطبيعية
تحسين القدرة التنافسية للمنتج في الأسواق المحلية والعالمية
تلبية متطلبات المستهلك العصري الباحث عن الغذاء الصحي والطبيعي.