الأرض
الثلاثاء 12 أغسطس 2025 مـ 08:04 مـ 17 صفر 1447 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

العلماء يواجهون الحرارة المرتفعة بأصناف زراعية جديدة

حذر الدكتور شاكر أبو المعاطي، أستاذ المناخ بمركز البحوث الزراعية، من التأثيرات المتصاعدة للتغيرات المناخية على القطاع الزراعي في مصر، مشيرًا إلى أنها باتت تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي القومي، مع إحداث تغييرات جوهرية في الخريطة الزراعية للمحاصيل.

وأوضح أبو المعاطي أن المحاصيل والهجن الزراعية التي كانت تتحمل الظروف البيئية سابقًا لم تعد قادرة على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة الحالية، مما دفع الباحثين إلى تطوير واستنباط أصناف جديدة أكثر قدرة على مواجهة الإجهادات البيئية المتزايدة.

تأثيرات مناخية تهدد التربة والمياه والمحاصيل

أكد أبو المعاطي أن الأزمة المناخية لم تقف عند حدود تغير درجات الحرارة، بل تجاوزتها لتشمل ارتفاع مستوى سطح البحر، ما أدى إلى زيادة ملوحة التربة ومياه الري، إضافة إلى توسّع ظواهر التصحر والجفاف، وزيادة نسبة الرطوبة في الأجواء، وكلها عوامل تسببت في إجهاد حراري للنباتات، وتراجع الإنتاجية الزراعية.

وأشار أبو المعاطي إلى أن المزارعين باتوا يضخون كميات إضافية من المياه لحماية محاصيلهم من الحر، ما زاد من استهلاك الطاقة ورفع تكلفة الإنتاج، نتيجة تشغيل معدات الري لفترات أطول، في وقت تعاني فيه البلاد من محدودية في الموارد المائية.

المحاصيل الأكثر تضررًا.. ثمار تنهار تحت لهيب الشمس

كشف أبو المعاطي أن جميع المحاصيل الزراعية تأثرت بشكل أو بآخر، إلا أن الفواكه مثل المانجو والرمان والعنب والكمثرى والخوخ تصدرت قائمة الأكثر حساسية، خاصة في مرحلتي الإزهار والإثمار. كما أشار إلى أن الطماطم والزيتون بدورهما تأثرا بدرجات الحرارة، في حين تغيرت مواعيد زراعة بعض المحاصيل الأساسية مثل القطن، القمح، الذرة، والبطاطس.

ولفت أستاذ المناخ إلى أن الحرارة العالية تؤدي إلى تساقط الأزهار والثمار، وتعرض النباتات في مرحلة الإنبات للتلف، بسبب ارتفاع حرارة التربة، التي تحفز نشاط الكائنات الدقيقة، ما يتسبب في تعفن البذور وفقدان التقاوي.

نصائح عاجلة للمزارعين: الري والرش في الأوقات المناسبة

شدد أستاذ المناخ على ضرورة اتباع تدابير وقائية صارمة لضمان استمرارية الإنتاج الزراعي خلال الموجات الحارة، وأبرزها:

الري في الصباح الباكر أو المساء لتفادي التبخر السريع والتلف الحراري للجذور.

تجنب استخدام الأسمدة الورقية أو المبيدات أثناء فترات النهار المرتفعة الحرارة.

تأجيل الزراعة أو التسميد خلال فترات الذروة الحرارية.

تغطية ثمار الفاكهة مثل المانجو والرمان بأكياس ورقية لحمايتها من أشعة الشمس المباشرة.

استخدام قش الأرز أو عروش الذرة لتغطية نباتات الطماطم وتقليل تعرضها للحرارة.

التكنولوجيا تدخل الزراعة من أوسع أبوابها

وتابع الدكتور أبو المعاطي أن الاعتماد على التكنولوجيا الزراعية الحديثة، مثل أجهزة الاستشعار التي تقيس درجة حرارة التربة ومستوى الرطوبة، مما يمكن المزارع من اتخاذ قرارات ذكية ودقيقة بشأن الري والتسميد في الوقت المناسب.

الزراعة المصرية تصدّر رغم التحديات.. بفضل البحث العلمي

أكد أبو المعاطي أن مركز البحوث الزراعية نجح خلال السنوات الماضية في تطوير أصناف وسلالات جديدة من المحاصيل والخضروات قادرة على مقاومة الإجهادات البيئية مثل الجفاف، والملوحة، وارتفاع درجات الحرارة. ولفت إلى أن هذه الجهود أسهمت في الحفاظ على معدلات إنتاجية عالية لمحاصيل استراتيجية مثل القمح والذرة والأرز.

وقال الدكتور شاكر إن مصر حققت تقدمًا ملموسًا في قطاع الصادرات الزراعية، حيث تحظى محاصيل مثل العنب، الموالح، النباتات الطبية والعطرية، البطاطس، والبصل بسمعة طيبة في الأسواق العالمية، بفضل مطابقة المواصفات والمعايير الدولية، وهو ما دفع الدولة لتجهيز معامل متخصصة لفحص المحاصيل قبل التصدير.

تحركات الدولة: إدارة المياه وتدوير الموارد لمواجهة الأزمة

أكد أبو المعاطي أن الدولة المصرية تعاملت بواقعية مع أزمة المياه من خلال العمل على:

حصاد مياه الأمطار في مناطق مثل الساحل الشمالي وسيناء.

إعادة تدوير مياه الصرف الزراعي والصحي باستخدام محطات معالجة متقدمة مثل محطة المحسمة وبحر البقر.

تحلية مياه البحر واستخدامها في الزراعة بعد تنقيتها.

وأوضح أن هذه الحلول تمثل خطوات استباقية في مواجهة أزمة المناخ وتأمين مصادر المياه اللازمة للقطاع الزراعي.

الزراعة في ظل التغير المناخي.. معركة أمن غذائي مستمرة

أكد أبو المعاطي أن موجات الحرارة المرتفعة لا تهدد المحاصيل فقط، بل تؤثر أيضًا على الصحة العامة للعمال الزراعيين، داعيًا إلى اتخاذ تدابير وقائية لحمايتهم، منها:

تقليل ساعات العمل خلال فترات الذروة.

توفير قبعات واقية ومياه شرب باردة.

تهيئة أماكن للراحة داخل الحقول.

كما حذر أبو المعاطي من تنامي نشاط الحشرات والآفات نتيجة الحرارة، مطالبًا باستخدام المبيدات في الأوقات المناسبة لتجنب تلف المحاصيل.

مستقبل الزراعة... بين التحديات والحلول العلمية

و شدد الدكتور شاكر أبو المعاطي على أن التغيرات المناخية أصبحت أمرًا واقعًا لا يمكن تجاهله، مشيرًا إلى أن الحل يكمن في مواصلة البحث العلمي، وتطوير أصناف زراعية أكثر مرونة، مع إشراك المزارعين في منظومة توعوية مستمرة حول سبل التكيف مع المتغيرات المناخية.

ولفت إلى أن وزارة الزراعة وضعت استراتيجية متكاملة لرصد التغيرات الجوية وتوجيه الإرشادات الفنية للمزارعين بشكل يومي، إلى جانب توفير المبيدات الحديثة لمكافحة الآفات التي لم تكن معروفة سابقًا، مثل مكافحة "توتا أبسليوتا" التي طورت لها الوزارة أكثر من ثلاثين مبيدًا معتمدًا.

ختامًا... الزراعة المصرية تقاوم التغير المناخي بالعلم والتكنولوجيا

وقال الدكتور شاكر أبو المعاطي، أستاذ المناخ بمركز البحوث الزراعية، إنه رغم التحديات المتزايدة التي تفرضها الطبيعة، تواصل الزراعة المصرية الصمود بفضل التخطيط، والبحث العلمي، والتكنولوجيا. وبينما يسابق العلماء الزمن لتطوير حلول مبتكرة، تبقى يقظة المزارعين وتعاونهم مع مؤسسات الدولة، هي خط الدفاع الأول في حماية غذاء الشعب وتأمين مستقبل الأجيال القادمة.